الجمعة، 16 سبتمبر 2022

اختصاصات مأموري الضبط القضائي الوظيفية

 نظراً لأهمية وظيفة الضبط الجنائي في الدعوى الجنائية، وتحقيق اخذ حق ‏الدولة في معاقبة الجناة، وما يترتب عليها من مساس بحقوق الأفراد وحرياتهم، ‏فقد حدد المشرعان اليمني والمصري طبيعة عمل هذه الوظيفة، حتى لا تتداخل ‏مع الوظائف الأخرى، وحددا ضوابطها، وحدودها حتى لا تنحرف عن الغرض ‏الذي أنشأت من أجله، وخولا القائمين بها اختصاصات وظيفية معينة تتسع ‏وتضيق بحسب الأحوال ليقوموا بالمهام الموكلة إليهم بما يحقق أهداف هذه ‏الوظيفة.‏ كما حددا لهذه الاختصاصات الوظيفية حدود نوعية ومكانية ينبغي على ‏رجال (مأموري) الضبط الجنائي التقيد بها، وممارسة وظيفتهم في حدودها، ‏حتى تتسم أعمالهم بالمشروعية.‏ ولذلك سوف نبين في المبحث تلك الاختصاصات وحدودها في مطلبين، ‏كالاتي:‏ المطلب الأول: الاختصاصات الوظيفية لرجال (مأموري) الضبط الجنائي.‏ المطلب الثاني: الحدود النوعية والمكانية لاختصاصات رجال (مأموري) ‏الضبط الجنائي.‏ 

المطلب الأول  ‏

 الاختصاصات الوظيفية لمأموري الضبط الجنائي 

يباشر رجال (مأموري) الضبط الجنائي أعمالهم المتعلقة بوظيفة الضبط ‏الجنائي خلال المرحلة اللاحقة لوقوع الجريمة والسابقة لمرحلة التحقيق ‏الابتدائي التي تجريه سلطة التحقيق، وهي ما يطلق عليها مرحلة جمع ‏الاستدلالات أو التحري، وذلك بهدف تسهيل مهمة هذه المرحلة الأخيرة وحتى ‏تتمكن سلطات التحقيق أداء مهمتها على بينة كاملة ومعرفة واضحة بالواقعة ‏الجنائية وأطرافها.‏ ‏((فوظيفة الضبطية الجنائية لا يتم مباشرتها إلا بصدد وقوع جريمة يعاقب ‏عليها القانون الجنائي، إذ أن الغرض من هذه الوظيفة هو ضبط الجرائم لأخذ ‏حق الدولة في العقاب، ويتم هذا الضبط للجرائم من خلال العديد من المهام التي ‏تحددها التشريعات للمكلفين بهذه الوظيفة بما يتناسب وتحقيق الغاية منها، ‏وتتمثل هذه المهام في الغالب بالبحث عن الجرائم وتعقب مرتكبيها وجمع ‏الاستدلالات اللازمة لإثبات الجريمة وبيان عناصرها وأطرافها وملابساتها، ‏وحتى يتسنى للمكلفين بها القيام بمهامهم فإن التشريعات تمنحهم السلطات التي ‏تتناسب وتحقيق غايتها))(‏ ‏).‏ ‏((ولما كانت الحالة التي يواجه بها رجال (مأموري) الضبط الجنائي الجريمة ‏تختلف من وضع إلى آخر، إذ قد يتم إبلاغه بنبأها بواسطة الغير، وهذه الحالة ‏هي الحالة المعتادة، يباشر بموجبها رجال (مأموري) الضبط الجنائي المهام ‏المحددة لمرحلة جمع الاستدلالات، وهي تلقي البلاغ وفحصه، واستقصاء ‏الجريمة، والبحث عن مرتكبها، وجمع الاستدلالات والمعلومات المتعلقة بها، ‏وإثباتها في محاضر ترسل لسلطة التحقيق. كما قد يعاين رجال (مأموري) ‏الضبط الجنائي الجريمة بنفسه، إذ لا تزال آثارها بادية، والجاني بين يديه، ‏ولذلك وحتى يتم ضبط الجريمة ومرتكبها ولما لعامل السرعة من أهمية في ‏ذلك، فقد سعت التشريعات إلى منحه في هذه الحالة سلطات استثنائية أوسع من ‏السلطات السابقة، وهي سلطات اتخاذ بعض إجراءات التحقيق، كالقبض ‏والتفتيش للبحث عن الدليل))(‏ ‏).‏ وبناءً على ما سبق فإن لرجال (مأموري) الضبط الجنائي اختصاصات ‏وظيفية أصلية وأخرى استثنائية، يمارسها في أحوال مختلفة، وفي ظل الضوابط ‏والحدود القانونية، وسوف نبين هذه السلطات على النحو التالي:‏

 أولاً: الاختصاصات الوظيفية الأصلية لرجال (مأموري) الضبط الجنائي:‏

 تتمثل الاختصاصات الأصلية لرجال (مأموري) الضبط الجنائي بإجراءات ‏الاستدلال الممهدة لسير الدعوى الجنائية، وهي الإجراءات المحددة لمواجهة ‏الجريمة في أحوالها العادية، ((وهذه الإجراءات ليست واحدة، بل متعددة، ‏يختلف مدى الحاجة إلى مباشرتها كلها أو بعضها بحسب وضع الجريمة محل ‏البحث، فنطاقها يضيق ويتسع بحسب كيفية الكشف عن الجريمة، وإثباتها وجمع ‏عناصرها وأدلتها والحفاظ عليها، حيث تكون الجريمة في هذه المرحلة يكتنفها ‏الغموض وعدم اكتمال الأدلة، وتكون عناصر الجريمة متفرقة وتحتاج إلى ‏جمعها والربط فيما بينها بهدف الوصول إلى الحقيقة، ولذلك فإن غالبية ‏التشريعات لم تلجأ إلى تحديدها، وإنما ترك لرجال (مأموري) الضبط الجنائي ‏حرية اتخاذ الإجراءات التي يرونها مناسبة لكشف الحقيقة، ووضعها تحت ‏تصرف سلطة التحقيق، شرط أن يلتزموا بالحدود القانونية))(‏ ‏). ‏ والسبب في عدم تحديد هذه الإجراءات من قبل غالبية التشريعات يبرره ‏بعض الفقه في ((أن جوهر أعمال الاستدلال هو جمع المعلومات، ومن ثم فكل ‏عمل من شأنه تحصيل هذه المعلومات بما يحقق غاية الاستدلال، وإمداد سلطة ‏التحقيق بأدلة الإثبات أو النفي، يجب أن يباح لرجال الضبط))(‏ ‏).‏ ‏ ولما كانت دراستنا مقارنة بين أحكام القانونين اليمني والمصري، فإنه من ‏الضرورة بيان ما أوردا في ذلك، وبالرجوع إلى أحكام قانون الإجراءات ‏الجزائية اليمني نجد أنه بين أعمال رجال (مأموري) الضبط الجنائي الأصلية ‏في المواد (91، 92)(‏ ‏)، حيث نصت المادة (91) منه على: ((مأمورو الضبط ‏القضائي مكلفون باستقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها وفحص البلاغات ‏والشكاوي وجمع الاستدلالات والمعلومات المتعلقة بها وإثباتها في محاضرهم ‏وإرسالها إلى النيابة العامة))، وهذه السلطات بصورة عامة.‏ كما نصت المادة (92) على تفصيل وبيان لتلك الاختصاصات الوظيفية بـ: ‏‏((إذا بلغ رجل الضبط القضائي أو علم بوقوع جريمة ذات طابع جسيم أو من ‏تلك التي يحددها النائب العام بقرار منه وجب عليه أن يخطر النيابة العامة وأن ‏ينتقل فوراً إلى محل الحادث للمحافظة عليه وضبط كل ما يتعلق بالجريمة ‏وإجراء المعاينة اللازمة، وبصفة عامة أن يتخذ جميع الإجراءات للمحافظة ‏على أدلة الجريمة وما يسهل تحقيقها وله أن يسمع أقوال من يكون لديه معلومات ‏عن الوقائع الجزائية ومرتكبيها وان يسأل المتهم عن ذلك. وعليه إثبات ذلك في ‏محضر التحري وجمع الاستدلالات ويوقع عليها هو والشهود الذين سمعهم ‏والخبراء الذين استعان بهم ولا يجوز له تحليف الشهود أو الخبراء اليمين إلا اذا ‏خيف أن يستحيل فيما بعد سماع الشهادة بيمين، ويجب عليه تسليم تلك ‏المحاضر لعضو النيابة العامة عند حضوره . وفي الجرائم الأخرى تحرر ‏محاضر التحري وجمع الاستدلالات التي يقوم بها رجال الضبط القضائي طبقا ‏لما تقدم وعليهم إرسالها إلى النيابة العامة للتصرف فيها)).‏ ومن خلال النصوص السابقة نجد أن المشرع اليمني قد حدد الاختصاصات ‏الوظيفية الأصلية لرجال (مأموري) الضبط الجنائي، والتي تتمثل بـ:‏ 

‏-‏ استقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها.‏ ‏

-‏ تلقي البلاغات والشكاوي وفحصها.‏ ‏

-‏ جمع الاستدلالات والمعلومات المتعلقة بالجرائم.‏ 

‏-‏ الانتقال الفوري إلى محل الحادث للمحافظة عليه وضبط كل ما يتعلق ‏بالجريمة وإجراء المعاينات اللازمة.‏ 

‏-‏ إبلاغ النيابة العامة بأمر الجريمة في الجرائم بعد علمه بها أو تبليغه عنها.‏ 

‏-‏ سماع أقوال من يكون لديه معلومات عن الوقائع ومرتكبيها.‏ 

‏-‏ سؤال المتهم.‏

 ‏-‏ الاستعانة بالخبراء.‏ 

‏-‏ ‏ إثبات أعماله في محاضر يوقع عليها مع الشهود الذين سمعهم والخبراء ‏الذين استعان بهم وإرسالها إلى النيابة العامة.‏

 إلا أن هذا التحديد ليس على سبيل الحصر، وإنما هو للمسائل الرئيسية التي ‏يجب على رجال (مأموري) الضبط الجنائي القيام بها، وبعض السلطات التي ‏يجوز له ممارستها، ويستفاد ذلك من نص المادة (92) إذ خولته اتخاذ جميع ‏الإجراءات التي يراها مناسبة للمحافظة على أدلة الجريمة وما يسهل لسلطة ‏التحقيق القيام بواجباتها.‏ أما المشرع المصري فقد حدد أعمال رجال (مأموري) الضبط الجنائي ‏الأصلية في المواد (21، 24، 29)(‏ ‏)، حيث نصت المادة (21) على: ((يقوم ‏مأمور الضبط القضائي بالبحث عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات التي ‏تلزم للتحقيق في الدعوى)).‏ ونصت المادة (24) على: ((يجب على مأموري الضبط القضائي أن يقبلوا ‏التبليغات والشكاوى التي ترد اليهم بشأن الجرائم، وأن يبعثوا بها فورا إلى ‏النيابة العامة، ويجب عليهم وعلى مرؤوسيهم أن يحصلوا على جميع ‏الإيضاحات ويجروا المعاينات اللازمة لتسهيل تحقيق الوقائع التي تبلغ اليهم، أو ‏التي يعلمون بها بأية كيفية كانت، وعليهم أن يتخذوا جميع الوسائل التحفظية ‏اللازمة للمحافظة على أدلة الجريمة. ويجب أن تثبت جميع الإجراءات التي ‏يقوم بها مأمورو الضبط القضائي في محاضر موقع عليها منهم يبين بها وقت ‏اتخاذ الإجراءات ومكان حصوله ويجب أن تشمل تلك المحاضر زيادة على ما ‏تقدم توقيع الشهود والخبراء الذين سمعوا، وترسل المحاضر إلى النيابة العامة ‏مع الأوراق والأشياء المضبوطة)).‏ ونصت المادة (29) على: ((لمأموري الضبط القضائي أثناء جمع ‏الاستدلالات أن يسمعوا أقوال من يكون لديهم معلومات عن الوقائع الجنائية ‏ومرتكبيها وان يسألوا المتهم عن ذلك، ولهم أن يستعينوا بالأطباء وغيرهم من ‏أهل الخبرة ويطلبون رأيهم شفهيا أو بالكتابة. ولا يجوز لهم تحليف الشهود أو ‏الخبراء اليمين إلا اذا خيف ألا يستطاع فيما بعد سماع الشهادة بيمين)).‏ وبناءً على ذلك نجد أن المشرع المصري قد حدد الاختصاصات الوظيفية ‏الأصلية لرجال (مأموري) الضبط الجنائي وسلطاتها، ولكن ذلك التحديد ليس ‏على سبيل الحصر وإنما لبيان المسائل الواجب عليهم التقيد بها، والصلاحيات ‏الممنوحة لهم لممارسة أعمالهم.‏ وهي الإجراءات ذاتها التي بينها المشرع اليمني، مع تميز المشرع المصري ‏‏(‏ ‏) في بيان مسؤولية مرؤوسي رجال (مأموري) الضبط الجنائي إذ حدد مهامهم ‏إضافة إلى تحديده لشكل المحاضر، ونصه صراحة على إرسال المضبوطات ‏إلى النيابة العامة، وذلك على خلاف المشرع اليمني الذي لم يحد في قانون ‏الإجراءات الجزائية مهام مساعدي رجال (مأموري) الضبط الجنائي ولم شكلية ‏المحاضر بصورة كاملة، ((وهي المسائل التي يرى بعض الفقه أنها أوجه قصور ‏في التشريع اليمني يجب تلافيه من قبل المشرع في قانون الإجراءات ‏الجزائية))(‏ ‏).‏ وبناءً على ما سبق، فسوف نبين بإيجاز الاختصاصات الوظيفية الأصلية ‏لرجال (مأموري) الضبط الجنائي على النحو الآتي:‏

 ‏1-‏ ‏ تلقي البلاغات والشكاوي وفحصها:‏

 يعرف البلاغ بأنه: ((الإجراء الذي يقوم به شخص لإيصال نبأ الجريمة إلى ‏العدالة))(‏ ‏)، أو هو: ((إيصال نبأ الجريمة إلى السلطة المختصة))(‏ ‏).‏ وتعرفه المادة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية اليمني بأنه: إخطار ‏الجهة المختصة بوقوع الحادث.‏ أما الشكوى فتعرف بأنها: ((البلاغ الذي يقدمه المجني عليه أو من يقوم مقامه ‏قانوناً إلى السلطة المختصة، طالباً تحريك الدعوى الجنائية في الجرائم التي ‏اشترط لها القانون تقديم الشكوى لكي تستعيد النيابة العامة حريتها في تحريك ‏الدعوى فيها))(‏ ‏). ‏ فالبلاغ والشكوى هما الوسيلتان المعتادة لإيصال خبر الجريمة إلى رجال ‏‏(مأموري) الضبط الجنائي، وبالتالي يجب عليهم قبولها عند تقديمها إليهم، ‏وتبرز هنا مسألة مهمة وهي من المخول له قانوناً تقديم البلاغات والشكاوي؟ يعتبر التبليغ بالجريمة من الواجبات التي فرضها القانون على فئة كبيرة من ‏المجتمع وهم الموظفين العامين، وأجاز تقديمه من أي شخص، ((وذلك لأن ‏الدعوى الجنائية هي وسيلة المجتمع في استيفاء حقه من عقاب الجاني، كما أن ‏ضرر الجريمة يمس المجتمع ككل، ولذلك فتقديمه للجهات المختصة ليس حق ‏مقصور على أحد وإنما هو واجب وحق لجميع أفراد المجتمع، وبالتالي يجب ‏على رجال (مأموري) الضبط الجنائي قبول البلاغات بالجرائم أياً كان ‏مصدرها وأياً كان شكلها، سواء كان شفهياً أم مكتوباً))(‏ ‏).‏ ‏((أما الشكوى فكما سبق تعريفها فحق تقديمها مقصور على المجني عليه أو ‏المضرور المدعي بالحق المدني الذي يطالب بالتعويض، ومن ينوبهما قانوناً، ‏فهي ادعاء بحق))(‏ ‏).‏ وبالتالي على رجال (مأموري) الضبط الجنائي عدم قبول الشكاوي إلا ممن ‏له الحق بتقديمها قانوناً، ولكن في هذه الحالة ينبغي عليه ألا يترك أمر الجريمة ‏إذا احتوتها الشكوى المقدمة ممن لا يملك حق تقديمها قانوناً، وعليه اعتبارها في ‏حكم البلاغ ومباشرة سلطاته الضبطية على ضوئها.‏ ‏((وبعد تلقي رجال (مأموري) الضبط الجنائي للبلاغات والشكاوي ينبغي ‏عليهم فحصها للتأكد من سلامتها وصحتها، وذلك باستيضاح الشاكي أو المبلغ ‏عن مضمون بلاغه وشكواه، أو بأي وسيلة أخرى مشروعة))(‏ ‏). ‏ ‏

 ‏2-‏ استقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها:‏ 

‏ يعد استقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها أو البحث عنها وعن مرتكبيها ‏الوظيفة الرئيسية لرجال (مأموري) الضبط الجنائي، ويذهب بعض الفقه إلى ‏‏((أن مصطلح استقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها المنصوص عليه في قانون ‏الإجراءات الجزائية اليمني، وهو ما عبر عنه قانون الإجراءات الجنائية ‏المصري بالبحث عن الجرائم ومرتكبيها، يقصد به التحري أو إجراء التحريات ‏عن الجرائم ومرتكبيها))(‏ ‏).‏ ويقصد بهذا الإجراء ((قيام رجل الضبط الجنائي بالبحث عن كافة المعلومات ‏التي تفيد في الوصول إلى حقيقة الوقائع أو الجرائم التي أبلغ بها بواسطة البلاغ ‏أو الشكوى، أو وصلت إلى علمه بوسيلة أخرى، وجعها، وذلك بالتثبت من ‏قوعها فعلاً، ومعرفة طبيعتها وملابساتها ومكان وزمان ارتكابها، والتعرف عن ‏مرتكبيها وكل من له علاقة بها والكشف عنهم وعن تحركاتهم ومكان تواجدهم، ‏وتتبعهم، وغير ذلك من الإجراءات التي تفيد في كشف الحقيقة وتسهيل عمل ‏القضاء))(‏ ‏).‏ ‏((فخبر الجريمة يحتمل الصدق أو الكذب، ولذلك يتعين على رجال ‏‏(مأموري) الضبط الجنائي التأكد منه، وأن يتبين الحق باتخاذ كافة الإجراءات ‏التي يراها مناسبة وفق الضوابط القانونية))(‏ ‏).‏ ‏ ((ويذهب البعض إلى أن استقصاء الجرائم أو البحث عنها لا يتوقف عند تلك ‏التي يتم إبلاغ رجال الضبط الجنائي بها، وإنما ينبغي عليهم البحث عن كافة ‏الجرائم المرتكبة بما فيها تلك التي لم يصل علمهم إليها، من خلال الاستعانة ‏بالمرشدين ومراقبة الأماكن المشبوهة وسالكي الإجرام، واتخاذ كافة الإجراءات ‏التي تؤدي إلى اكتشاف الجريمة))(‏ ‏).‏ ‏((والبحث عن الجرائم أو استقصائها وتعقب مرتكبيها له أهمية كبيرة في ‏حماية المجتمع وتحقيق العدالة، وذلك لما ينتج عنه من معلومات تسهل في ضبط ‏الجرائم والوصول إلى مرتكبيها، والتأكد من صحة البلاغات والشكاوي، وتوفير ‏المعلومات الكافية لسلطات التحقيق لاتخاذ إجراءاتها والتقرير في الوقائع، ‏وتعزيز الأدلة أمام القضاء))(‏ ‏).‏ ونظراً لهذه الأهمية، وما قد يترتب عليه من مساس بالحقوق والحريات، ‏يضع الفقه جملة من الضمانات الواجب توافرها لكي يكون إجراء الاستقصاء أو ‏التحري أو البحث عن الجرائم سليماً ومنتجاً لأثره، وتتمثل هذه الضمانات ‏بالآتي:(‏ ‏)‏ ‏‌أ-‏ أن يجريه رجل الضبط الجنائي انطلاقاً من واجبه الوظيفي، واستناداً ‏إليه، وليس استناداً إلى تأثير العلاقات الشخصية والضغينة.‏ ‏‌ب-‏ أن يتم مباشرته في إطار الاختصاص النوعي والمكاني.‏ ‏‌ج-‏ أن يستخدم الوسائل المشروعة في إجرائه.‏ ‏‌د-‏ أن تراعى فيه الدقة والجدية، وذلك ببذل الجهود الكافية وتوفير ‏المعلومات المتكاملة عن الواقعة ومرتكبيها.‏ 

‏3-‏ جمع الاستدلالات:‏

 ‏((يقع على رجال (مأموري) الضبط الجنائي بعد التأكد من صحة وقوع ‏الجريمة فعلاً، سواء بفحص البلاغات والشكاوي التي وردت إليهم أو بناءً على ‏إجراء الاستقصاء أو التحري الذي باشروه، أن يقوموا بجمع الاستدلالات ‏والمعلومات المتعلقة بها اللازمة للتحقيق في الدعوى الجنائية من قبل سلطة ‏التحقيق))(‏ ‏). ‏ ويقصد بجمع الاستدلالات: ((جمع كافة العناصر والقرائن والدلائل المادية ‏وغير المادية التي تفيد التحقيق في الدعوى، والتي يتم تحصيلها من مسرح ‏الجريمة ومن جميع الأشخاص المتصلين بالواقعة أو لديهم معلومات عنها وعن ‏مرتكبيها أو يمكن أن يقدموا تلك المعلومات))(‏ ‏).‏ ‏((وتتمثل الاستدلالات التي تفيد التحقيق في الدعوى واللازمة لتسهيله بتلك ‏الاستدلالات التي من خلالها يتم إثبات الجريمة وعناصرها، وتوضح ‏ملابساتها، وأسلوب ارتكابها والوسيلة المستخدمة فيها، وتكشف عن مرتكبيها ‏وتوصل إليهم، سواء تلك التي يتحصل عليها من الأشخاص كأقوال الشهود ومن ‏لهم معلومات والمتهم والمجني عليه، والمرشدين السريين، ومرؤوسي رجال ‏‏(مأموري) الضبط الجنائي، أو تلك التي يتحصل عليها من مسرح الجريمة ‏والجهات ذات العلاقة، والناتجة من إثبات حالة الأشخاص والأشياء والأماكن ‏في مسرح الجريمة قبل أن يصل إليها يد العبث، وتحديد الظروف المحيطة به، ‏وفحص الآثار المتخلفة من الجريمة بالاستعانة بالخبراء، ....إلخ))(‏ ‏).‏ وبناءً على ذلك فإن الاستدلالات الواجب على رجال (مأموري) الضبط ‏الجنائي جمعها لمساعدة سلطة التحقيق في الدعوى تنقسم إلى قسمين، هي:‏ ‏‌أ-‏ استدلالات معنوية:‏ ‏((تتمثل الاستدلالات المعنوية بالمعلومات التي يدلي بها أي شخص لرجال ‏‏(مأموري) الضبط الجنائي حول الواقعة الجنائية ومرتكبيها))(‏ ‏).‏ ‏((أي تلك التي يكون مصدرها أقوال الأشخاص، كأقوال الجاني أو المشتبه ‏به، أو تلك الأقوال التي يدلي بها شخص آخر كالمجني عليه أو الشهود، أو ‏المبلغين، أو المرشدين، أو غيرهم ممن لديه معلومات عن الجاني أو المجني ‏عليه أو الجريمة))(‏ ‏).‏ ‏ وبناءً على ذلك فإنه ينبغي على رجال (مأموري) الضبط الجنائي الحصول ‏على هذه الاستدلالات وإثباتها في محاضر يوقع عليها من أصحابها، وجمعها ‏وإرسالها مع الاستدلالات الأخرى إلى سلطة التحقيق.‏ ‏((ويتم الحصول على تلك الاستدلالات باستيضاح المبلغين أو الشاكين أولاً ‏عن مضمون البلاغ أو الشكوى، واستدعاء وسماع أقوال الشهود ومن لديه ‏معلومات عن الجريمة أو الجاني أو المشتبه به أو المتهم، واستيضاح المجني ‏عليه إن أمكن ذلك، وسؤال المتهم إن كان حاضراً حول التهمة والمعلومات التي ‏حصل عليها، دون أن يكون له مناقشته تفصيلاً فيها واستظهار ما بين إجاباته ‏من تناقض، ومجابهته بالأدلة المختلفة؛ أي استجوابه، كما لا يجوز له إجبارهم ‏وإكراههم على تقديم أقوالهم في تمنعهم وعليه إثبات ذلك في محاضره، كما لا ‏يجوز له تحليفهم اليمين إلا إذا خيف سماع أقوالهم مرة أخرى بيمين، كما لو ‏كان المحلَّف مشرفاً على الموت أو مقبل على سفر إلى غير عودة محققة))(‏ ‏). ‏ ‏‌ب-‏ استدلالات مادية:‏ ‏((تتمثل الاستدلالات المادية بحالة الأشياء والأشخاص في مسرح الجريمة، ‏والوسائل والآثار المادية المتخلفة عنها أو المستخدمة فيها، أو التي لها علاقة ‏بالأشخاص وتتواجد في مكان الجريمة، وهي عبارة عن آثار ناطقة بنفسها، ‏يمكن أن تستخلص سلطة التحقيق منها دليل مادي أو أن تكون أساساً لدليل ‏فني))(‏ ‏).‏ والاستدلالات المادية هي عبارة عن قرائن تفيد في التحقيق أو في جمع ‏الاستدلالات أيضاً، ومن الاستدلالات المادية الوسائل المستخدمة في الجريمة، ‏آثار الدماء والبصمات والسائل المنوي، وآثار الجلد والشعر والملابس... إلخ.‏ ‏((ويكون جمع الاستدلالات المادية من خلال المعاينة لمسرح الجريمة وإثبات ‏حالة الأشياء والأشخاص والأماكن المتواجدة فيه، والظروف البيئية المحيطة، ‏والمحافظة عليه، ورفع الآثار المادية الظاهرة المتواجدة فيه، والاستعانة ‏بالخبراء لرفع الآثار غير الواضحة التي يحتاج رفعها لمختصين وفحصها ‏وعمل تقرير عنها شفهياً أو كتابياً، وضبط تلك الأشياء وتحريز تلك الآثار، ‏وإثباتها في محاضر ترسل مع المضبوطات والتقارير للنيابة العامة))(‏ ‏).‏ ‏((ومن الجدير الإشارة إليه أن المشرعين اليمني والمصري أوجبا على رجال ‏‏(مأموري) الضبط الجنائي فور علمهم بالجريمة الانتقال إلى مكان وقوعها ‏وإجراء المعاينات اللازمة وإثبات حالات الأشياء والأشخاص والأماكن، ‏والمحافظة على المكان والأدلة والآثار المتواجدة فيه وضبط الأشياء التي تفيد ‏التحقيق، واتخاذ كافة الإجراءات التي تسهل التحقيق وتحافظ على الأدلة ‏ومسرح الجريمة، سواء كان ذلك بنفسه أو استعان بغيره من الخبراء))(‏ ‏).‏ فالمشرعين اليمني والمصري لم يحددا الإجراءات اللازمة للحصول وجمع ‏الاستدلالات المادية، وإنما تركا الأمر لسلطة رجل الضبط الجنائي التقديرية، ‏بحيث يتخذ ما يراه مناسباً من إجراءات ما دام أنها في إطار المشروعية، ولا ‏ينطوي على استخدامها مساساً بإرادة الأفراد وحرياتهم.‏

 ‏4-‏ التحفظ على الأشخاص:‏

 نصت المــادة (104) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني على: ((في غير ‏حالات الجرائم المشهودة يجوز لمأموري الضبط القضائي اتخاذ الإجراءات ‏التحفظية المناسبة طبقا للقواعد المقررة في هذا الشأن وان يطلبوا من النيابة ‏العامة أن تصدر أمر بالقبض على الشخص الذي توجد دلائل كافية على اتهامه ‏بارتكاب احدى الجرائم الآتية: -‏ أولاً: اذا كان متهما بإخفاء الأشياء المسروقة أو التي استعملت أو تحصلت ‏من جريمة .‏ ثانيا: اذا كان متهما في جريمة احتيال أو تعد شديد أو تحريض على الفسق ‏أو الفجور أو الدعارة أو حيازة أو تعاطي المخدرات)).‏ ويقابلها في قانون الإجراءات الجنائية المصري نص المادة (35) المعدلة ‏بالقانون رقم (37) لسنة 1972م، والتي تنص على: ((....وفى غير الأحوال ‏المبينة في المادة السابقة إذا وجدت دلائل كافية على اتهام شخص بارتكاب ‏جناية أو جنحة سرقة أو نصب أو تعد شديد أو مقاومة لرجال السلطة العامة ‏بالقوة والعنف، جاز لمأمور الضبط القضائي أن يتخذ الإجراءات التحفظية ‏المناسبة، وأن يطلب من النيابة العامة أن تصدر أمرا بالقبض عليه. وفى جميع ‏الأحوال تنفذ أوامر الضبط والإحضار والإجراءات التحفظية بواسطة أحد ‏المحضرين أو بواسطة رجال السلطة العامة)). ‏ ‏((وبناءً على النصوص السابقة نجد أن المشرعين اليمني والمصري منحا ‏لرجل الضبط الجنائي سلطة التحفظ على الأشخاص بمنعهم من حرية التنقل أو ‏منعهم من مغادرة المنزل حتى يتم استصدار أمر القبض من النيابة العامة، على ‏أن يكون ذلك التحفظ في حدود جرائم معينة متى توافرت دلائل كافية على ‏اتهامهم بارتكاب تلك الجرائم، ويكون التحفظ لمدة 24 ساعة فإذا لم تصدر ‏النيابة العامة أمر القبض يتم إخلاء سبيلهم))(‏ ‏).‏ ولم توضح نصوص التشريعين اليمني والمصري ماهية إجراء التحفظ على ‏الأشخاص بل جاءت عامة، ومما يجدر الإشارة إليه أن المذكرة الإيضاحية ‏للقانون رقم (37) لسنة 1972م بشأن تعديل المواد (34، 35) من قانون ‏الإجراءات الجنائية المصري أوردت بشأن هذا الإجراء ((أنه يعتبر بمثابة ‏إجراء وقائي حتى يطلب من النيابة العامة صدور أمرها بالقبض، وانه لا يعتبر ‏قبضاً بالمعنى القانوني وليس فيه مساس بحرية الفرد، وأنه يتمثل بطلب رجال ‏‏(مأموري) الضبط الجنائي من الأشخاص المكوث في أماكنهم لحظات أو فترة ‏قصيرة حتى تصدر النيابة أمر القبض، منعاً لهم من الهرب وحفاظاً على الأدلة ‏من العبث))(‏ ‏).‏ والدلائل الكافية يعرفها القانون اليمني بأنها: ((هي الأمور التي يدل ثبوتها ‏على توافر العناصر التي تكفي سنداً للقرار أو الحكم))(‏ ‏).

‏ ‏5-‏ تحرير محاضر الاستدلال وإرسالها مع المضبوطات إلى سلطة ‏التحقيق:‏

 أوجب المشرعان اليمني والمصري على رجل الضبط الجنائي إثبات جميع ‏إجراءاته في محاضر يوقع عليها مع الشهود والخبراء الذين استعان بهم ومن ‏سمع أقوالهم وإرسالها مع المحاضر والمضبوطات إلى النيابة العامة باعتبارها ‏السلطة المختصة بالتحقيق وتحريك الدعوى الجنائية وإقامتها.‏ ‏((ولم يحدد المشرع اليمني شكلية معينة لهذه المحاضر غير التوقيع عليها، ‏وذلك على خلاف المشرع المصري الذي نص على ضرورة أن يشتمل ‏المحضر على زمن اتخاذ الإجراء ومكانه إضافة إلى توقيع رجل الضبط ‏الجنائي ومن أستعان بهم وسمع أقوالهم))(‏ ‏).‏ ‏((ولما كانت مرحلة جمع الاستدلالات تنطوي على خطورة كبيرة على ‏الحقوق والحريات، فإجراءاتها تتسم بالسرية، وتختص سلطة الضبط الجنائي ‏بمباشرتها وهي أحد أجهزة السلطة التنفيذية، والتي هي في الغالب تكون من ‏رجال الشرطة الذين تفرض طبيعة عملهم الاحتكاك بالجمهور والتعرض لهم، ‏ويسيطر عليهم في الغالب هاجس ضرورة الكشف عن الحقيقة والوصول إليها ‏بأقصى سرعة وبأي وسيلة ممكنة، حتى لوكان بالتعرض لحقوق الأفراد ‏وحرياتهم، ففي ذلك يجدون التقدير وإظهار كفاءتهم في العمل، وهنا تكمن ‏الخطورة، ولذلك حرصت القوانين على وضع القيود والضوابط التي تنظم عمل ‏الضبطية الجنائية، لتجنب ذلك المساس))(‏ ‏).‏ ‏((وتتمثل أهم هذه الضوابط بعدم مباشرة رجال (مأموري) الضبط الجنائي ‏لوظيفة الضبطية الجنائية إلا بصدد وقوع جريمة جنائية يعاقب عليها التشريع، ‏وأن يحصلوا على المعلومات بطريقة مشروعة، وأن لا يتدخلوا في خلق ‏الجريمة عن طريق الغش والخداع والتحريض على ارتكابها))(‏ ‏).‏

ثانياً: الاختصاصات الوظيفية الاستثنائية لرجل الضبط الجنائي:‏

 علاوة على الاختصاصات الوظيفية الأصلية السابقة لرجل الضبط الجنائي، ‏فقد منحه المشرع اختصاصات وظيفية استثنائية تتمثل بممارسة بعض إجراءات ‏التحقيق في أحوال معينة، نظراً لما تقتضيه الضرورة من اتخاذ هذه الإجراءات ‏في سبيل الوصول إلى الحقيقة وتحقيق المصلحة العامة.‏ ‏((وتتمثل أهم هذه الاختصاصات باختصاصي القبض والتفتيش، إذ أن هذه ‏الاختصاصات من اختصاصات سلطتي التحقيق الابتدائي والحكم، نظراً لما ‏تتسم به من الجبر والإكراه ويترتب عليهما مساساً بالحقوق والحريات، ومنحت ‏التشريعات رجال (مأموري) الضبط الجنائي الاختصاص بممارستها في حالات ‏معينة، تستدعي الجريمة فيها السرعة واتخاذ هذه الإجراءات، ولأن احتمال ‏الخطأ من جانب رجال (مأموري) الضبط الجنائي بعيدة))(‏ ‏).‏ وبناءً على ذلك سوف نبين الاختصاصات الوظيفية الاستثنائية لرجال ‏‏(مأموري) الضبط الجنائي على النحو الآتي:‏ 

‏1-‏ القبض:‏

 يعرف القبض بأنه: ((سلب حرية الشخص لمدة قصيرة باحتجازه في المكان ‏الذي يعده القانون لذلك))(‏ ‏)، ويعرفه آخر بأنه ((أخذ المقبوض عليه إلى الآمر ‏به أو الجهات المختصة في الأحوال المقررة قانوناً، ويترتب عليه حرمان ‏المقبوض عليه من حريته))(‏ ‏).‏ وعرفته محكمة النقض المصرية بأنه: ((تقييد حرية الشخص والتعرض له ‏بإمساكه وحجزه ولو لفترة يسيرة، تمهيداً لاتخاذ بعض الإجراءات ضده))(‏ ‏).‏ وعرفته المادة (70) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني بأنه: ((القبض هو ‏ضبط الشخص وإحضاره المحكمة أو النيابة العامة أو مأموري الضبط القضائي ‏في الحالات المنصوص عليها قانونا ويكون بموجب امر صادر من الآمر ‏بالقبض ممن يملكه قانونا أو شفويا اذا كان الشخص الآمر حاضرا أمامه ‏ويترتب على ذلك حرمان المقبوض عليه من حريته حتى يتم التصرف في ‏أمره))، ولم يتعرض قانون الإجراءات الجنائية المصري لتعريف القبض واكتفى ‏ببيان أحكامه، تاركاً ذلك للفقه.‏ وبناءً على ذلك فإن القبض على الأشخاص هو قيد يقع على حرية الشخص ‏في التنقل أو المكوث حيث يشاء، ويكون بإمساكه من جسمه، أو وضعه في ‏الحجز، تمهيداً لاتخاذ بعض الإجراءات ضده.‏ ‏((وحرية الأشخاص في التنقل والبقاء حيثما يريدون من الحقوق التي كفلتها ‏لهم الشرائع السماوية والتشريعات الوضعية، ولا يجوز لأحد سلبه هذا الحق أو ‏تقييده إلا بمسوغ شرعي أو قانوني))(‏ ‏).‏ ولذلك جعله التشريعان اليمني والمصري من اختصاصات سلطة التحقيق ‏والحكم، فنصت المادة (172) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني على: ((مع ‏عدم الإخلال بالأحكام الواردة في الباب الثاني من الكتاب الثاني من هذا القانون ‏لا يجوز القبض على أي شخص أو استبقائه إلا بأمر من النيابة العامة أو ‏المحكمة وبناء على مسوغ قانوني))، ويقابلها نص المادة (40) من قانون ‏الإجراءات الجنائية المصري المعدلة بالقانون رقم (37) لسنة 1972م والتي ‏تنص على: ((لا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات ‏المختصة بذلك قانوناً، كما تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ولا ‏يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً)).‏ فالسلطة المختصة بالقبض في التشريعين اليمني والمصري هي سلطة ‏التحقيق والحكم، وقد أحسن المشرع اليمني في النص على ذلك صراحة في ‏المادة السابقة، وذلك على خلاف المشرع المصري حيث يستفاد أن سلطتي ‏التحقيق والحكم هي السلطة المختصة بالقبض إذ لم يشر إلى ذلك صراحة.‏ وخروجاً عن القاعدة السابقة فقد جعل المشرعان اليمني والمصري القبض ‏اختصاصاً استثنائياً لرجل الضبط الجنائي في حالات معينة محددة على سبيل ‏الحصر، وتتمثل هذه الحالات بالآتي:‏ 

أ‌-‏ الجريمة المشهودة أو التلبس:‏ 

يعرف التلبس بأنه: ((التعاصر بين لحظة ارتكاب الجريمة ولحظة اكتشافها؛ ‏أي المشاهدة الفعلية للجريمة، أو التقارب الزمني بين اللحظتين))(‏ ‏). ‏ ‏((ومن خلال التعريف السابق نجد أن التلبس بالجريمة أو الجريمة المشهودة ‏ينصرف إلى اكتشاف الجريمة ذاتها وقت ارتكابها وهذا ما عبر عنه التعريف ‏بالتعاصر، أو بعد ارتكابها بوقت يسير وهو ما عبر عنه بالتقارب))(‏ ‏)، ‏‏((ويكون هذا الاكتشاف أو المشاهدة أو الإدراك للجريمة من قبل رجل الضبط ‏الجنائي ذاته، فلا يكتفي بالرواية أو النقل لقيام حالة التلبس))(‏ ‏). ‏ ‏((والتلبس أو الجريمة المشهودة وصف ينصب على الجريمة ذاتها؛ أي الركن ‏المادي لها، لا على مرتكبها، فيمكن أن يشاهد رجل الضبط الجنائي الجريمة ‏دون أن يشاهد فاعلها، سواء تم إدراكه لتلك الجريمة بالمشاهدة أو السمع أو بأي ‏حاسة من حواسه، وسواء كان ذلك وقت ارتكابها في أي مرحلة من مراحله، أو ‏بعد ارتكابها بوقت يسير))(‏ ‏).‏ ولم يتعرض المشرعان اليمني والمصري لبيان مفهوم الجريمة المشهودة أو ‏التلبس وإنما اقتصرا على بيان حالاتها وصورها، حيث نصت المــادة(98) من ‏قانون الإجراءات الجزائية اليمني على: ((تكون الجريمة مشهودة في حالة ‏ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرهة يسيرة وتعتبر كذلك إذا تبع المجني عليه ‏مرتكبها أو تبعته العامة بالصياح إثر وقوعها أو إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها ‏بوقت قريب حاملا آلات أو أسلحة أو أمتعه أو أشياء أخرى يستدل منها على انه ‏فاعلها أو شريك فيها أو إذا وجدت به في الوقت المذكور أثر أو علامات تدل ‏على ذلك))، ويقابلها نص المادة (30) من قانون الإجراءات الجنائية المصري، ‏وهو النص ذاته في القانون اليمني مع اختلاف يسير في بعض الكلمات(‏ ‏). ‏ ومتى توافرت الجريمة وفقاً للوصف السابق في إحدى هذه الحالات كان ‏لرجل الضبط الجنائي الاختصاص في القبض على كل مرتكبيها وكل من له ‏علاقة بها، وهذا ما نصت عليه المــادة (103) من قانون الإجراءات الجزائية ‏اليمني: ((يجب على مأموري الضبط القضائي القبض على الأشخاص في ‏الأحوال الآتية: .... رابعًا: في الحالات المنصوص عليها في المادة (98))، ‏وتنظم المادة (98) منه حالات الجريمة المشهودة، كما أشرنا إليها سابقاً، ولكن ‏ذلك ليس على إطلاقه، بل محصور في الجرائم المعاقب عليها بالحبس لمدة ‏تزيد على ستة أشهر، حيث نصت المادة (101) من القانون ذاته على: ((في ‏الجرائم المشهودة المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ستة اشهر يحق لمأمور ‏الضبط القضائي القبض على كل شخص يستدل بالقرائن على انه الفاعل ‏للجريمة أو له علاقة بها إن كان حاضراً وأن يأمر بإحضاره إن كان غائبا)).‏ ويقابلها نصوص المواد (34،35) من قانون الإجراءات الجنائية ‏المصري(‏ ‏)، حيث تنص المادة (34) منه على: لمأمور الضبط القضائي في ‏أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح التي يعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ‏ثلاثة أشهر، أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على ‏اتهامه، وتنص المادة (35) على: إذا لم يكن المتهم حاضراً في الأحوال المبينة ‏في المادة السابقة جاز لمأمور الضبط القضائي أن يصدر أمر بضبطه ‏وإحضاره ويذكر ذلك في المحضر...‏ 

ب‌-‏ حالات أخرى نص عليها القانون:‏

 تضمنت المادة (103) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني الحالات التي ‏يجب على رجل الضبط الجنائي مباشرة القبض فيها على الأشخاص، وهذه ‏الحالات منها ما يكون مأموراً بإجراء القبض وليس له الحق في إجرائه مالم ‏يكن هناك أمر به، ومنها ما يكون فيها من اختصاص رجل الضبط الجنائي ‏بموجب هذه المادة بصورة استثنائية، ومن تلك الحالات حالة الجريمة المشهودة ‏التي بيناها سابقاً، وهناك حالات أخرى تتمثل بالآتي:‏ ‏‌أ-‏ إذا كان مرتكبا لجريمة جسيمة وقامت على ارتكابه لها دلائل قوية وخيف ‏هربه.‏ ‏‌ب-‏ إذا كان مرتكباً لجريمة غير جسيمة معاقب عليها بالحبس وقامت على ‏ارتكابه لها دلائل قويه ومعلومات موثوقة وتوفرت في حقه احد ى ‏الحالات الآتية: 1- إذا لم يكن له محل إقامة معروف بالبلاد. 2- إذا قامت ‏قرائن قوية على انه يحاول إخفاء نفسه أو الهرب. 3- إذا رفض بيان ‏اسمه وشخصيته أو كذب في ذلك أو قدم بيانا غير مقنع أو رفض التوجه ‏إلى مركز الشرطة بدون مبرر.‏ ‏‌ج-‏ إذا كان في حالة سكرٍ بين.‏ ‏‌د-‏ اذا اشتبه لأسباب جدية انه هارب من إلقاء القبض عليه.‏ ويكون تقدير قوة الدلائل وكفايتها سواء في حالة التلبس أو في الأحوال ‏الأخرى أمر موكول لرجال الضبط الجنائي تحت رقابة سلطة التحقيق ‏والمحاكمة(‏ ‏). ‏ وفي كل الأحوال ينبغي على رجال (مأموري) الضبط الجنائي أن يتقيدوا ‏بهذه الاختصاصات وضوابطها المحددة قانوناً.‏

 ‏2-‏ التفتيش القضائي وضبط الأشياء:

‏ يعرف التفتيش القضائي بأنه: ((الاطلاع على محل منحه القانون حرمة ‏خاصة لضبط ما عسى قد يوجد فيه مما يفيد في كشف الحقيقة عن جريمة ‏معينة، وقد يكون محل التفتيش ذات الشخص أو مسكنه أو مكان آخر أضفى ‏عليه القانون حمايته))(‏ ‏).‏ والتفتيش من أخطر الإجراءات الماسة بحقوق الأفراد في سرية المعلومات ‏والمقتنيات، وحرمة المنازل والمساكن ومستودعات الأسرار عموماً، ولذلك ‏جعلته التشريعات من اختصاصات النيابة العامة والمحكمة، فقد نصت المــادة ‏‏(132) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني على: ((لا يجوز تفتيش ‏الأشخاص أو دخول المساكن أو الاطلاع على المراسلات البريدية أو تسجيل ‏المحادثات السلكية أو اللاسلكية أو الشخصية، وكذا ضبط الأشياء إلا بأمر من ‏النيابة العامة أثناء التحقيق ومن القاضي أثناء المحاكمة)).‏ كما نصت المادة (91) من قانون الإجراءات الجنائية المصري على: ‏‏((تفتيش المنازل عمل من أعمال التحقيق ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بمقتضى ‏أمر من قاضي التحقيق بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المنزل المراد ‏تفتيشه بارتكاب جناية أو جنحة أو باشتراكه في ارتكابها أو إذا وجدت قرائن ‏تدل على أنه حائز لأشياء تعلق بالجريمة. ولقاضي التحقيق أن يفتش أي مكان ‏ويضبط فيه الأوراق والأسلحة وكل ما يحتمل أنه استعمل في ارتكاب الجريمة ‏أو نتج عنها أو وقعت عليه وكل ما يفيد في كشف الحقيقة)).‏ وبناءً على ما سبق نجد أن التفتيش من اختصاصات سلطات التحقيق، إلا أنه ‏وخروجاً على تلك القاعدة منح رجال (مأموري) الضبط الجنائي هذا ‏الاختصاص في حالات معينة بصورة استثنائية ووفق ضوابط محددة، وتتمثل ‏هذه الحالات بالآتي:‏ أ‌-‏ الجريمة المشهودة أو التلبس:‏ نصت المــادة (102) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني على: ((لمأمور ‏الضبط القضائي في الحالات المنصوص عليها في المادة السابقة أن يفتش المتهم ‏ومنزله ويضبط الأشياء والأوراق التي تفيد في كشف الحقيقة متى وجدت ‏أمارات قوية تدل على وجودها فيه))، وتتمثل الحالات المنصوص عليها في ‏المادة السابقة بالجرائم المشهودة المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ستة ‏أشهر(‏ ‏)، ومعنى ذلك أنه لا يكون لرجل الضبط الجنائي القيام بالتفتيش ‏القضائي في جميع الجرائم المشهودة بل يقتصر على جرائم محددة فقط.‏ كما نصت المادة (46) من قانون الإجراءات الجنائية المصري على: ((في ‏الأحوال التي يجوز فيها القبض قانوناً على المتهم يجوز لمأمور الضبط ‏القضائي أن يفتشه. وإذا كان المتهم أنثى وجب أن يكون التفتيش بمعرفة أنثى ‏يندبها لذلك مأمور الضبط القضائي)). ونصت المادة (47) منه أيضاً على: ‏‏((لمأمور الضبط القضائي في حالة التلبس بجناية أو جنحة أن يفتش منزل ‏المتهم، ويضبط فيه الأشياء والأوراق التي تفيد في كشف الحقيقة إذا أتضح له ‏من أمارات قوية أنها موجودة فيه))(‏ ‏).‏ على أن يقتصر التفتيش للبحث عن الأدلة المتعلقة بالجريمة التي يتم التحقيق ‏فيها فقط دون أن يمتد إلى غيرها(‏ ‏).‏ ب‌-‏ التفتيش عند تنفيذ أمر القبض:‏ أجازت المــادة (80) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني لرجال الضبط ‏الجنائي تفتيش المنازل واقتحامها للبحث عن المطلوب القبض عليه، سواء كانت ‏تلك المنازل تابعة له أو الغير، حيث نصت على: ((لمن يقوم بتنفيذ أمر القبض ‏أن يدخل مسكن المطلوب القبض عليه للبحث عنه وله أن يدخل مسكن غيره إذا ‏وجدت قرائن قوية تدل على أن المتهم قد اختبأ فيه وعلى صاحب المسكن أو من ‏يوجد به أن يسمح بالدخول وأن يقدم التسهيلات المعقولة لإجراء البحث عن ‏المطلوب القبض عليه وإذا رفض أو قاوم كان لمن يقوم بتنفيذ القبض اقتحام ‏المسكن عنوة واستخدام القوه في الحدود المبينة في المادة السابقة)).‏ ولم نجد نصاً مشابها لهذا النص في قانون الإجراءات الجنائية المصري.‏

تأمين الشخصيات الهامة ونطاقة حمايتها

 أدى تطور المجتمعات الإنسانية وتطور علاقاتها ببعضها إلى بروز شخصيات دينية واجتماعية وسياسية وعسكرية وفكرية وعلمية ودبلوماسية ارتبطت بواقع تلك المجتمعات وإدارتها أو بمعتقداتها وقضاياها ومصالحها العليا أو بعلاقاتها بغيرها من المجتمعات، لتحتل هذه الشخصيات مكانة عالية لدى المجتمعات التي تنتمي إليها أو تتواجد فيها، نظراً للرمزية التي تمثلها أو المنصب الذي تتولاه أو الفكر الذي تتبناه أو غير ذلك من المسائل التي تجعل منها محل اهتمام وتعظيم الآخرين.

ونظراً للمكانة الاجتماعية العالية التي تحظى بها هذه النخب، كرموز جماهيرية أو وطنية، فإن تعرضها للعدوان قد يترتب عليه انعكاسات سلبية على مخأدى تطور المجتمعات الإنسانية وتطور علاقاتها ببعضها إلى بروز شخصيات ‏دينية واجتماعية وسياسية وعسكرية وفكرية وعلمية ودبلوماسية ارتبطت بواقع تلك ‏المجتمعات وإدارتها أو بمعتقداتها وقضاياها ومصالحها العليا أو بعلاقاتها بغيرها من ‏المجتمعات، لتحتل هذه الشخصيات مكانة عالية لدى المجتمعات التي تنتمي إليها أو ‏تتواجد فيها، نظراً للرمزية التي تمثلها أو المنصب الذي تتولاه أو الفكر الذي تتبناه أو ‏غير ذلك من المسائل التي تجعل منها محل اهتمام وتعظيم الآخرين.‏

ولما كانت هذه الشخصيات تحاط بحماية أمنية والاعتداء عليها له العديد من ‏الانعكاسات السلبية على الأنظمة والمجتمعات، فإن تحديد مفهومها وخصائصها ‏وأهميتها والخطر الواقع عليها ومصادره ودوافعه ومن ثم نطاق حمايتها لوقايتها من ‏هذا الخطر وصده عنها، أمر لا بد منه لبيان موضوع هذه الدراسة.‏

ولذلك سوف نبين في هذا المطلب الشخصيات المهمة ونطاق حمايتها على النحو ‏الآتي:‏

أولاً: مفهوم الشخصيات المهمة:‏

تعددت تعريفات الباحثين للشخصية المهمة، وذلك باختلاف الزاوية التي تم النظر ‏منها لأهمية الشخصية، فمنهم من يعرفها على أساس المنصب الذي تشغله ومنهم من ‏يعرفها على أساس مستوى التهديد الذي تواجهه، ومنهم من يعرفها على أساس الآثار ‏التي يمكن أن تترتب على وقوع العدوان على الشخصية.‏

وأيا كانت اتجاهات تلك التعريفات، فإنه ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن هذه ‏الشخصية هي إنسان حي، وأن التعريف ليس لكيانها البدني وإنما للقيمة المعنوية التي ‏تحظى بها، والتي تكتسبها من شغلها لأحد المناصب القيادية العليا الرسمية أو غير ‏الرسمية، أو لتزعمها قضية عامة أو جماعة معينة، أو للفكر والعلم الذي تحمله، أو ‏لغير ذلك من المسائل التي ترفع من قدر الشخص ومكانته لدى مجتمعه أو الوسط ‏الاجتماعي الذي يتواجد فيه، بما يجعله عرضة للاعتداء من أي جانب كان.‏

فيعرف العبودي (1982م) الشخصيات المهمة بأنها: « الشخصيات المهمة هم ‏الأشخاص الذين يشغلون مراكز قيادية رسمية كانت أو غير رسمية في الدولة أو في ‏الدول الأجنبية وينزلون ضيوفاً على الدولة، ويكونون بحكم مناصبهم عرضة للاعتداء ‏عليهم من العناصر المعارضة للنظام الذي ينتمون إليه، سواء كانت هذه العناصر ‏وطنية أم أجنبية» ص28.‏

ويعرفها رياض (1984م) بأنها: « الشخصية المهمة هي الشخصية التي تحمل ‏من الأفكار والقيم والمعتقدات بكافة أنواعها وتعود بالنفع على معظم مواطني الدولة ‏التي تنتمي إليها أو تتعداها إلى مواطني الدول الأخرى، سواءً كانت هذه القيم ‏والمعتقدات والأفكار سياسية أو أدبية أو دينية أو اقتصادية أو غير ذلك» ص1.‏

ويعرفها السباعي (1986م) بأنها: « أولئك الأشخاص الذين يشغلون مراكز قيادية ‏رسمية كانت أو غير رسمية في الدولة أو الدول الأجنبية أثناء زيارتهم للبلاد سواءً ‏بصفتهم الرسمية أو الشخصية، ولا يمكن عمل حصر لهؤلاء الأشخاص، وإن كان ‏يدخل من ضمنهم رؤساء الدول، ورؤساء الوزارات والوزراء، ومديرو الهيئات ‏والمؤسسات التي تقوم بأعمال تتعلق بمصالح الدولة العليا، كالمخابرات العامة والقوات ‏المسلحة، وكذلك العاملين بهذه الهيئات والمؤسسات، والزعماء الوطنيون ورؤساء ‏الأحزاب، وتختلف ضرورة ومدى الحماية التي يجب أن تكفلها الدولة لكل منهم وفقاً ‏للآتي:‏

‏1-‏ المركز الذي يشغله وأهميته بالنسبة للدولة.‏

‏2-‏ درجة المعارضة التي يواجهها والتهديد الذي تتعرض له في الدولة أو الدول ‏التي يزورها، سواء كان مصدر التهديد وطنياً أم أجنبياً» ص168-169.‏

ويعرفها سيدهم (1987م) بأنها: « الأشخاص الهامون هم الأشخاص الذين ‏يشغلون مراكز قيادية في الدولة رسمية أو غير رسمية، وكذلك أفراد الدول الأجنبية ‏أثناء زيارتهم للبلاد بصفتهم الشخصية أو الرسمية، ووجود هؤلاء الأشخاص في هذه ‏المراكز قد يجعلهم عرضة للاغتيالات أو الاعتداء من قبل عناصر مناوئة تحركها ‏دوافع مختلفة، ومن الصعب حصر هؤلاء الأشخاص وإنما يصنفون إلى ثلاثة فئات:‏

‏1-‏ الشخصيات المهمة الرسمية: ويدخل في إطارها رؤساء الدول الحاليين ‏والسابقين، ونوابهم، ورؤساء الحكومات والوزراء والمحافظون، ورؤساء ‏الأجهزة الهامة في الدولة.‏

‏2-‏ القيادات الشعبية: وتشمل القيادات الشعبية البارزة في البلاد، مثل رؤساء ‏الأحزاب السياسية والقيادات الرئيسية، ويضاف إليهم أعلام الفكر والأدب ‏والرياضة والعلماء.‏

‏3-‏ الشخصيات المهمة الأجنبية: ويدخل في إطارها رؤساء الدول والحكومات ‏الأجنبية أثناء زيارتهم للدولة، وكذا أعضاء السلك الدبلوماسي الأجنبي ‏والمنظمات الدولية، ويضاف إليهم اللاجئين السياسيين.» ص2.‏

ويعرفها طايل (1987م) بأنها: « الشخصية ذات الأهمية والمكانة الخاصة سواءً ‏على المجتمع المحلي أم الدولي، ويحكم درجة أهمية الشخصية اعتبارات مختلفة ‏وظروف عديدة تختلف باختلاف الشخص ذاته وظروف الدولة، وقد يكون مرد هذه ‏الأهمية إلى منصب قيادي حالي أو سابق شغله الفرد دولياً أم محلياً، أو إلى المشكلات ‏التي تترتب عند وقوع أي اعتداء عليه» ص2.‏

ويعرفها النفيعي (1992م) بأنها: « الشخصية التي تكتسب أهميتها من خلال ‏المنصب الذي تشغله سواءً أكان داخل المجتمع أم خارجه، وسواء أكان بصفة رسمية ‏أم غير رسمية» ص43.‏

ويعرفها شابسوغ (2006م) بأنها: ‏

‏« كل شخص يتسبب التعرض لحياته بكارثة وطنية عامة تهز المركز السياسي ‏للدولة خارجياً أو داخلياً، وتشمل الشخصيات المهمة الفئات التالية:‏

‏1-‏ الشخصيات المحلية الرسمية وغير الرسمية: وتشمل رئيس الدولة والعائلة ‏الحاكمة، رؤساء الوزارات والوزراء، رموز ورؤوس الهيئات والمؤسسات ‏العامة العسكرية والأمنية والمدنية، الزعماء الوطنيون، زعماء الجماعات سواء ‏كانت قبائل أو جماعات دينية أو نقابات عمالية، زوجات وأبناء رؤساء ‏الوزارات والوزراء، والرموز الاقتصادية في البلد كأصحاب رؤوس الأموال ‏الذين يعتبرون على أهمية بالغة لاقتصاد الدولة، واللاجئون السياسيون ذوو ‏الأهمية الحيوية.‏

‏2-‏ الشخصيات الأجنبية الرسمية وغير الرسمية: وتشمل رؤساء الدول الأجنبية ‏الضيوف على الدولة، رؤساء الوزارات والوزراء السابقون والحاليون الضيوف ‏على الدولة، رموز ورؤوس الهيئات والمؤسسات العامة العسكرية والأمنية ‏والمدنية الضيوف على الدولة، الزعماء الوطنيون في دول أخرى عندما يكونون ‏ضيوفاً على الدولة، زعماء الجماعات سواء كانت قبائل أو جماعات دينية أو ‏نقابات عمالية المستضافة في الدولة، زوجات وأبناء رؤساء الوزارات ‏والوزراء المستضافون في الدولة، والرموز الاقتصادية في البلد كأصحاب ‏رؤوس الأموال الذين يعتبرون على أهمية بالغة لاقتصاديات دولهم أثناء ‏زيارتهم للدولة.‏

وبالرغم من التحديد السابق للشخصيات المهمة، إلا أن مستوى الحماية يقترن ‏بمستوى التهديد أكثر منه بالمستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للشخصية» ‏ص8-10.‏

ويعرفها الشلوي (2010م) بأنها: « الشخصية المهمة هي ذلك الشخص الذي له ‏مكانة مهمة على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي مما يتطلب تكليف الأجهزة ‏الأمنية المختصة بتوفير الحماية الجسدية له بصفة مؤقتة أو دائمة» ص13.‏

ومن خلال التعريفات السابقة يجد الباحث أن الشخصيات المهمة هي تلك ‏الشخصيات التي ترتبط مكانتها المعنوية إما بسيادة الدولة أو بعلاقاتها بغيرها من ‏الدول، أو بالتأييد والاحترام الشعبي الواسع، أو بتزعمها لقضية مجتمعية أو دولية ‏كبرى، أو بمجال علمي مؤثر من الناحية الدينية أو العلمية، أو العسكرية أو الخبرة ‏السياسية، وبالتالي تكون سلامة وأمن تلك الشخصية محل تهديد، كون المساس بذلك ‏يخلف آثاراً سلبية واسعة على وحدة المجتمع وتماسكه ومكانته وسمعته وعلى مختلف ‏جوانب التنمية.‏

وتختلف درجة هذه الأهمية من ناحية توفير الأمن والحماية للشخصية باختلاف ‏مستوى خطورة الظروف المختلفة المحيطة بها في المكان الذي تتواجد فيه، ويرتبط ‏هذا المستوى من الخطورة بدرجة المعارضة والعداء لهذه الشخصية أو الجماعة أو ‏الدولة التي تنتمي إليها، أو التي تقدم لها الدعم والمساعدة، أو حتى تتواجد فيها ولكن ‏مجرد التواجد يجعلها عرضة للخطر لما للاعتداء عليها من حدوث آثار سلبية كبيرة ‏على تلك الدولة.‏

فمثلاً عالم الذرة الذي ينتمي إلى إحدى الدول المتقدمة لا يكون بتلك الأهمية من ‏حيث توفير الأمن والحماية التي يحتاج إليها عالم الذرة الذي ينتمي إلى الدول النامية، ‏أو الدول المعادية للدول الكبرى، والقائد العسكري في البلد المستقر سياسياً لا يكون ‏كذلك أيضاً عن القائد العسكري الذي ينتمي إلى بلد تسوده الصراعات السياسية أو ‏الانفلات الأمني، والقائد أو المفكر السياسي المحايد لا يكون بتلك الدرجة كالقائد أو ‏المفكر السياسي الذي ينتمي إلى النظام الحاكم أو إلى الجماعات المعارضة.‏

وبناء على ذلك فإن من الصعوبة بمكان وضع معيار موضوعي دقيق لتحديد ‏الشخصيات المهمة بحيث يمكن تعميمه على جميع المجتمعات، ذلك أن الخطر يتعدد ‏وتختلف دوافعه.‏

ويمكن للباحث أن يعرف الشخصيات المهمة بأنها: أولئك الأشخاص الذين ترتبط ‏سلامة حياتهم وأجسادهم وحرياتهم بالمكانة والعلاقات الحيوية الهامة للدولة، كالمكانة ‏السيادية أو الوطنية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو العسكرية أو الأمنية أو الفكرية، أو ‏المكانة الدولية، أو الاستقرار السياسي، ويترتب على المساس بتلك السلامة آثار سلبية ‏مختلفة على كل أو بعض تلك الجوانب، ما يجعلها عرضة للتهديدات والأخطار ‏المرتبطة بالاتجاهات المعارضة أو المعادية للدولة، سواء كانت مصادر تلك التهديدات ‏والأخطار وطنية أم أجنبية، مما يستلزم على الدولة توفير الحماية المناسبة لتلك ‏الشخصية.‏

فالاعتداء على رئيس الدولة يترتب عليه مساساً بمكانتها السيادية، واستقرارها ‏السياسي، والاعتداء على القيادات العسكرية أو الأمنية يترتب عليه اختلالاً في ثقة ‏المجتمع بتلك الأجهزة وقدراتها، والاعتداء على علماء الذرة يترتب عليه اختلالا في ‏مستوى تقدمها العسكري، والاعتداء على أصحاب رؤوس الأموال ورؤساء الشركات ‏التجارية الكبرى يترتب عليه أضراراً بالوضع الاقتصادي، وهكذا، وبالتالي يكون كل ‏هؤلاء عرضة للخطر خاصة مع تنامي ظاهرة الإرهاب والجريمة السياسية.‏

ومن هذا المنطلق فإن الأخطار التي تتعرض لها الشخصيات المهمة متعددة بحسب ‏مصادرها والغاية منها، فهي إما أخطار طبيعية أو بشرية.‏

ثانياً: الأخطار التي تتعرض لها الشخصيات المهمة:‏

من خلال الاطلاع في الدراسات السابقة، فقد قسم الباحثون الأخطار التي يمكن أن ‏تتعرض لها الشخصيات المهمة إلى قسمين، هما:‏

‏1-‏ أخطار طبيعية: والتي لا دخل لإرادة الإنسان أو سلوكه في حدوثها.‏

‏2-‏ أخطار بشرية: وهي تلك الأخطار التي تحدث بإرادة الإنسان أو كنتيجة لسلوكه.‏

وسوف نوضح هذه الأخطار على النحو الآتي:‏

الأخطار الطبيعية:‏

أشار السبيعي (2000م) إلى « أن الأخطار الطبيعية هي تلك التي تحدث بفعل ‏الطبيعة دون أن يكون للبشر دحل في حدوثها، مثل الزلازل، البراكين، الفيضانات، ‏سوء الأحوال الجوية التي تؤدي إلى تعذر الرؤية، الصواعق، والانهيارات» ص19.‏

‏« فالأخطار الطبيعية تحدث بمشيئة الله تعالى وحده، نتيجة للتغيرات الطبيعية ‏والمناخية على سطح الأرض، وهي مخاطر تحيق بالشخصية المهمة وغيره من الناس ‏في نطاق جغرافي معين» (آل جبران، 2011م، ص16).‏

‏« وبالرغم من هذه الأخطار غير متوقعة ولا تدخل في مهام الأمن والحماية ‏بصورتها المباشرة أي لا يمكن لقدرات جهاز الأمن والحماية وقاية الشخصية منها، إلا ‏أنه يتطلب منهم أن يكونوا على علم بجميع المصالح التي تتولى عمليات الإنقاذ ‏والإغاثة أثناء حدوث الكوارث الطبيعية، وإتقان وسائل الإسعافات الأولية التي تنقذ ‏الشخصية من الخطر» (الراشد، 1989م، ص60).‏

الأخطار البشرية:‏

وهي تلك الأخطار التي تحدث نتيجة لسلوك البشر، أي أنهم مساهمون في حدوثها، ‏ويذهب الباحثون في تصنيفها إلى قسمين، على النحو الآتي:‏

 

‏1-‏ أخطار بشرية عمدية:‏

‏« وهي الأخطار التي تقع باختيار وإرادة الأفراد الذين يحملون أفكاراً معادية ‏للسياسة العامة للدولة» (الراشد، 1989م، ص17). وهي عادة ما تتم على أساس ‏مخطط ومحكم من قبل فرد أو جماعة، أو منظمة إرهابية، أو من عدو خارجي، وهي ‏كثيرة ومتنوعة وتشمل القتل، والاعتداء الجسدي، الخطف، التجسس، التهديد، التحقير، ‏والإذلال، وتهدف عادة لإلحاق الضرر بالشخصية المهمة وتهديد سلامتها (آل جبران، ‏‏2011م، ص16).‏

‏« فالأخطار العمدية تأخذ الطابع السياسي في معظم حالاتها، أي أن مرتكبوها ‏يهدفون إلى تحقيق مآرب سياسية، كزعزعة ثقة المواطنين بالدولة، وإظهارها مظهر ‏الفشل، أو لتشويه سمعتها الدولية وتسيء إلى علاقتها بغيرها من الدول، وتضرب ‏اقتصاده القومي، أو القضاء على الشخصيات التي تتعارض مع الجناة فكرياً، أو ‏الانتقام منها لما سبق وأن قامت به من أعمال عسكرية أو سياسية ناجحة أو شبه ‏ناجحة ضدها، أو لإجبار أصحاب القرار السياسي للانصياع لمطالبهم» (شابسوغ، ‏‏2006م، ص111-112).‏

وتتمثل الأخطار البشرية العمدية بالآتي:‏

‏‌أ-‏ الاغتيالات: ‏

تعتبر الاغتيالات أكثر الأخطار البشرية العمدية التي تتعرض لها الشخصيات ‏المهمة، وترتبط هذه الجريمة في أكثر حالاتها بالجريمة السياسية، وتعرف الاغتيالات ‏بأنها: « الاعتداء على حياة الشخصية المهمة بقصد التخلص منها بأي وسيلة، ‏وباستخدام كل ما يضمن تحقيق هذه المهمة» (الراشد، 1989م، ص49).‏

فالغرض من جريمة الاغتيال هو القضاء على الشخصية بقتله، ويتم ارتكاب هذه ‏الجريمة بأساليب مختلفة، بحسب قدرة الجناة على الوصول إلى الشخصية، وبمستوى ‏العنف الذي يتبنونه.‏

ومن أبرز الأساليب المستخدمة في جرائم الاغتيالات الآتي:‏

‏-‏ الاغتيال باستخدام الأسلحة النارية: حيث يستخدم الجناة إحدى أنواع الأسلحة ‏النارية أو أكثر للاعتداء على الشخصية المهمة، كالمسدسات، والبنادق، ‏والقناصة، والمدافع الرشاشة (الشلوي، 2010م، ص14).‏

ومن أبرز الاغتيالات للشخصيات المهمة باستخدام هذه الوسيلة، اغتيال الرئيس ‏المصري السابق (أنور السادات) عام 1981م، حيث استخدم الجناة المدافع ‏الرشاشة لتنفيذ العملية (النفيعي، 1992م، ص26).‏

‏-‏ الاغتيال باستخدام المواد المتفجرة: حيث يستخدم الجناة المواد المتفجرة أو ‏العبوات الناسفة لتنفيذ عملية الاعتداء على حياة الشخصية المهمة.‏

وتتم هذه العملية من خلال زرع المواد المتفجرة في مكان عبور الشخصية أو ‏في وسيلة تنقله أو باستخدام أحزمة ناسفة من خلال انتحاريين، أو بوضع ‏الشحنات المتفجرة في أماكن تواجد الشخصية، أو يتم إرسالها إليه بأي وسيلة ‏‏(آل جبران، 2011م، ص17).‏

‏« ومن أبرز الاغتيالات التي تمت بهذا الأسلوب، اغتيال الرئيس اللبناني (رفيق ‏الحريري) عام 2005م، عن طريق تفجير موكبه أثناء مروره في الشرع العام ‏بمنطقة السان بورج، واغتيال زعيمة حزب الشعب الباكستاني المعارض ‏‏(بنظير بوتو) عام 2007م» (الشلوي، 2010م، ص14).‏

‏-‏ الاغتيال باستخدام المواد السامة: ويتم هذا الأسلوب باستخدام الجناة للمواد ‏السامة في تنفيذ عملية الاعتداء على حياة الشخصية المهمة، عن طريق دس ‏المادة السامة في الطعام أو الشراب أو الدواء المقدم للشخصية أو الخاص به، أو ‏السجائر التي يقوم بتدخينها، أو بأي وسيلة من الوسائل تحقق الهدف من العملية ‏بحيث يتم القضاء على الشخصية في أسرع وقت (النفيعي، 1992م، ص45).‏

‏« ومن أبرز الاغتيالات التي تمت باستخدام السم اغتيال المفكر والكاتب ‏السوري (عبد الرحمن الكوكبي) عام 1902م، بواسطة دس السم في فنجان ‏القهوة الذي تناوله مما أودى بحياته» (الخير، 1985م، ص241).‏

‏‌ب-‏ الخطف: وتتم باختطاف الشخصية المهمة بهدف الحصول على فدية من الدولة ‏أو تنازلات من الشخصية المهمة، أو لمنعه من تنفيذ مهمة ما (الراشد، ‏‏1989م، ص45).‏

ومن أبرز جرائم الخطف التي تعرضت لها الشخصيات المهمة، اختطاف رئيس ‏الوزراء الليبي المؤقت (علي زيدان) بتاريخ 10/أكتوبر/ 2013م، من قبل ‏جماعة تسمى غرفة ثوار ليبيا (جريدة الرياض "النسخة الإلكترونية"، 10اكتوبر ‏‏2013م).‏

‏‌ج-‏ الاعتداء غير العنيف: كالضرب والإذلال والسب والإهانة (آل جبران، ‏‏2011م، ص19).‏

‏‌د-‏ التجسس: لمعرفة معلومات عن الشخصية المهمة وتحركاتها، وجمع بيانات ‏تتعلق بمصالح الجناة (شابسوغ، 2006م، ص116).‏

‏‌ه-‏ ‏ التآمر للتوصل لقلب نظام الحكم: حيث يكون القضاء على الشخصية المهمة ‏وسيلة لتسهيل عمل الجناة للاستيلاء على السلطة ومقاليد الحكم (النفيعي، ‏‏1992م، ص45).‏

‏2-‏ الأخطار البشرية غير العمدية:‏

وهي الأخطار التي تتعرض لها الشخصيات المهمة نتيجة لسلوك البشر غير ‏المقصود، حيث لا تكون الشخصية هدفا للسلوك، وإنما تعرضت للحادث بصورة ‏عرضية بسبب طيش أو إهمال أو تقصير من مرتكب السلوك، ومن هذه الأخطار ‏حوادث السير، اعتداءات المختلين عقلياً، تساقط المباني أو جزء منها (السبيعي، ‏‏2000م، ص46).‏

وأياً كانت الأخطار التي تتعرض لها الشخصية المهمة ومصادرها فإنه يجب على ‏جهاز الأمن تأمين الإسعافات الأولية، ومعرفة عناوين المستشفيات وجهات الإغاثة ‏والإنقاذ، والعمل على التحكم بمصادر الخطر بقدر الإمكان بصدها ووقاية الشخصية ‏المهمة منها أو العمل على الحد من آثارها الضارة.‏

ثالثاً: مصادر الخطر الذي تتعرض له الشخصية: ‏

تختلف مصادر الأخطار التي تتعرض لها الشخصيات المهمة باختلاف مكانتها ‏وطبيعة المعارضة لها ودوافع الاعتداء، وطبيعته، ومن تلك المصادر:‏

‏« العملاء السريين التابعين لدولة عدوة، أعضاء المنظمات الإرهابية، أعضاء ‏الجماعات السياسية أو الدينية أو المذهبية المعادية، ذوي العداء الشخصية، المختلين ‏عقلياً، المنحرفين، وغير ذلك من المصادر بحسب ظروف البيئة المحيطة» (السبيعي، ‏‏2000م، ص19). ‏

رابعاً: نطاق حماية الشخصية: ‏

من خلال معرفة الأخطار التي تتعرض لها الشخصية المهمة يتحدد نطاق الحماية ‏لها، فالأخطار متنوعة وتختلف مصادرها، إضافة إلى أن الشخصية المهمة هدف ‏متحرك بين مكان الإقامة والعمل والزيارات وأماكن الترفيه والاجتماعات، وغير ذلك ‏من الأماكن. وبالتالي يمكن تحديد نطاق الحماية لها في الآتي: (شابسوغ، 2006م، ‏ص134)‏

‏1-‏ مقر إقامة الشخصية المهمة، سواء كان السكن الشخصي أو الذي ينزله، ويشمل ‏تأمين مقر الإقامة بتأمينه من الداخل من كافة الأخطار التي يمكن أن تحدث ‏عمدية أو غير عمدية، تأمين المداخل والمخارج، تأمين الزيارات إليه، تأمين ‏الطعام والشراب والاستخدامات الشخصية.‏

‏2-‏ الطرق التي يسلكها الشخصية، سواء الطرق المعتادة أو غير المعتادة، كطريق ‏العمل أو الزيارات.‏

‏3-‏ مقر العمل، والاجتماعات والمؤتمرات، والمهرجانات التي يحضرها، والأماكن ‏التي يزورها.‏

‏4-‏ تأمين السيارة ووسائل الاتصالات التي يستخدمها.‏

‏5-‏ تأمين الدواء الذي يستخدمه، والطعام الذي يتناوله.‏

‏6-‏ الأماكن التي يتردد عليها للترفيه وممارسة الرياضة.‏

‏7-‏ كافة الوسائل التي يمكن استغلالها للاعتداء عليه.‏

وبناء على ما سبق، فإن من الضرورة بمكان إحاطة عملية تأمين الشخصية المهمة ‏بكافة جوانب التأمين، في مواجهة الأخطار المعروفة أو المتوقعة وغير المتوقعة.