الجمعة، 16 سبتمبر 2022

اختصاصات مأموري الضبط القضائي الوظيفية

 نظراً لأهمية وظيفة الضبط الجنائي في الدعوى الجنائية، وتحقيق اخذ حق ‏الدولة في معاقبة الجناة، وما يترتب عليها من مساس بحقوق الأفراد وحرياتهم، ‏فقد حدد المشرعان اليمني والمصري طبيعة عمل هذه الوظيفة، حتى لا تتداخل ‏مع الوظائف الأخرى، وحددا ضوابطها، وحدودها حتى لا تنحرف عن الغرض ‏الذي أنشأت من أجله، وخولا القائمين بها اختصاصات وظيفية معينة تتسع ‏وتضيق بحسب الأحوال ليقوموا بالمهام الموكلة إليهم بما يحقق أهداف هذه ‏الوظيفة.‏ كما حددا لهذه الاختصاصات الوظيفية حدود نوعية ومكانية ينبغي على ‏رجال (مأموري) الضبط الجنائي التقيد بها، وممارسة وظيفتهم في حدودها، ‏حتى تتسم أعمالهم بالمشروعية.‏ ولذلك سوف نبين في المبحث تلك الاختصاصات وحدودها في مطلبين، ‏كالاتي:‏ المطلب الأول: الاختصاصات الوظيفية لرجال (مأموري) الضبط الجنائي.‏ المطلب الثاني: الحدود النوعية والمكانية لاختصاصات رجال (مأموري) ‏الضبط الجنائي.‏ 

المطلب الأول  ‏

 الاختصاصات الوظيفية لمأموري الضبط الجنائي 

يباشر رجال (مأموري) الضبط الجنائي أعمالهم المتعلقة بوظيفة الضبط ‏الجنائي خلال المرحلة اللاحقة لوقوع الجريمة والسابقة لمرحلة التحقيق ‏الابتدائي التي تجريه سلطة التحقيق، وهي ما يطلق عليها مرحلة جمع ‏الاستدلالات أو التحري، وذلك بهدف تسهيل مهمة هذه المرحلة الأخيرة وحتى ‏تتمكن سلطات التحقيق أداء مهمتها على بينة كاملة ومعرفة واضحة بالواقعة ‏الجنائية وأطرافها.‏ ‏((فوظيفة الضبطية الجنائية لا يتم مباشرتها إلا بصدد وقوع جريمة يعاقب ‏عليها القانون الجنائي، إذ أن الغرض من هذه الوظيفة هو ضبط الجرائم لأخذ ‏حق الدولة في العقاب، ويتم هذا الضبط للجرائم من خلال العديد من المهام التي ‏تحددها التشريعات للمكلفين بهذه الوظيفة بما يتناسب وتحقيق الغاية منها، ‏وتتمثل هذه المهام في الغالب بالبحث عن الجرائم وتعقب مرتكبيها وجمع ‏الاستدلالات اللازمة لإثبات الجريمة وبيان عناصرها وأطرافها وملابساتها، ‏وحتى يتسنى للمكلفين بها القيام بمهامهم فإن التشريعات تمنحهم السلطات التي ‏تتناسب وتحقيق غايتها))(‏ ‏).‏ ‏((ولما كانت الحالة التي يواجه بها رجال (مأموري) الضبط الجنائي الجريمة ‏تختلف من وضع إلى آخر، إذ قد يتم إبلاغه بنبأها بواسطة الغير، وهذه الحالة ‏هي الحالة المعتادة، يباشر بموجبها رجال (مأموري) الضبط الجنائي المهام ‏المحددة لمرحلة جمع الاستدلالات، وهي تلقي البلاغ وفحصه، واستقصاء ‏الجريمة، والبحث عن مرتكبها، وجمع الاستدلالات والمعلومات المتعلقة بها، ‏وإثباتها في محاضر ترسل لسلطة التحقيق. كما قد يعاين رجال (مأموري) ‏الضبط الجنائي الجريمة بنفسه، إذ لا تزال آثارها بادية، والجاني بين يديه، ‏ولذلك وحتى يتم ضبط الجريمة ومرتكبها ولما لعامل السرعة من أهمية في ‏ذلك، فقد سعت التشريعات إلى منحه في هذه الحالة سلطات استثنائية أوسع من ‏السلطات السابقة، وهي سلطات اتخاذ بعض إجراءات التحقيق، كالقبض ‏والتفتيش للبحث عن الدليل))(‏ ‏).‏ وبناءً على ما سبق فإن لرجال (مأموري) الضبط الجنائي اختصاصات ‏وظيفية أصلية وأخرى استثنائية، يمارسها في أحوال مختلفة، وفي ظل الضوابط ‏والحدود القانونية، وسوف نبين هذه السلطات على النحو التالي:‏

 أولاً: الاختصاصات الوظيفية الأصلية لرجال (مأموري) الضبط الجنائي:‏

 تتمثل الاختصاصات الأصلية لرجال (مأموري) الضبط الجنائي بإجراءات ‏الاستدلال الممهدة لسير الدعوى الجنائية، وهي الإجراءات المحددة لمواجهة ‏الجريمة في أحوالها العادية، ((وهذه الإجراءات ليست واحدة، بل متعددة، ‏يختلف مدى الحاجة إلى مباشرتها كلها أو بعضها بحسب وضع الجريمة محل ‏البحث، فنطاقها يضيق ويتسع بحسب كيفية الكشف عن الجريمة، وإثباتها وجمع ‏عناصرها وأدلتها والحفاظ عليها، حيث تكون الجريمة في هذه المرحلة يكتنفها ‏الغموض وعدم اكتمال الأدلة، وتكون عناصر الجريمة متفرقة وتحتاج إلى ‏جمعها والربط فيما بينها بهدف الوصول إلى الحقيقة، ولذلك فإن غالبية ‏التشريعات لم تلجأ إلى تحديدها، وإنما ترك لرجال (مأموري) الضبط الجنائي ‏حرية اتخاذ الإجراءات التي يرونها مناسبة لكشف الحقيقة، ووضعها تحت ‏تصرف سلطة التحقيق، شرط أن يلتزموا بالحدود القانونية))(‏ ‏). ‏ والسبب في عدم تحديد هذه الإجراءات من قبل غالبية التشريعات يبرره ‏بعض الفقه في ((أن جوهر أعمال الاستدلال هو جمع المعلومات، ومن ثم فكل ‏عمل من شأنه تحصيل هذه المعلومات بما يحقق غاية الاستدلال، وإمداد سلطة ‏التحقيق بأدلة الإثبات أو النفي، يجب أن يباح لرجال الضبط))(‏ ‏).‏ ‏ ولما كانت دراستنا مقارنة بين أحكام القانونين اليمني والمصري، فإنه من ‏الضرورة بيان ما أوردا في ذلك، وبالرجوع إلى أحكام قانون الإجراءات ‏الجزائية اليمني نجد أنه بين أعمال رجال (مأموري) الضبط الجنائي الأصلية ‏في المواد (91، 92)(‏ ‏)، حيث نصت المادة (91) منه على: ((مأمورو الضبط ‏القضائي مكلفون باستقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها وفحص البلاغات ‏والشكاوي وجمع الاستدلالات والمعلومات المتعلقة بها وإثباتها في محاضرهم ‏وإرسالها إلى النيابة العامة))، وهذه السلطات بصورة عامة.‏ كما نصت المادة (92) على تفصيل وبيان لتلك الاختصاصات الوظيفية بـ: ‏‏((إذا بلغ رجل الضبط القضائي أو علم بوقوع جريمة ذات طابع جسيم أو من ‏تلك التي يحددها النائب العام بقرار منه وجب عليه أن يخطر النيابة العامة وأن ‏ينتقل فوراً إلى محل الحادث للمحافظة عليه وضبط كل ما يتعلق بالجريمة ‏وإجراء المعاينة اللازمة، وبصفة عامة أن يتخذ جميع الإجراءات للمحافظة ‏على أدلة الجريمة وما يسهل تحقيقها وله أن يسمع أقوال من يكون لديه معلومات ‏عن الوقائع الجزائية ومرتكبيها وان يسأل المتهم عن ذلك. وعليه إثبات ذلك في ‏محضر التحري وجمع الاستدلالات ويوقع عليها هو والشهود الذين سمعهم ‏والخبراء الذين استعان بهم ولا يجوز له تحليف الشهود أو الخبراء اليمين إلا اذا ‏خيف أن يستحيل فيما بعد سماع الشهادة بيمين، ويجب عليه تسليم تلك ‏المحاضر لعضو النيابة العامة عند حضوره . وفي الجرائم الأخرى تحرر ‏محاضر التحري وجمع الاستدلالات التي يقوم بها رجال الضبط القضائي طبقا ‏لما تقدم وعليهم إرسالها إلى النيابة العامة للتصرف فيها)).‏ ومن خلال النصوص السابقة نجد أن المشرع اليمني قد حدد الاختصاصات ‏الوظيفية الأصلية لرجال (مأموري) الضبط الجنائي، والتي تتمثل بـ:‏ 

‏-‏ استقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها.‏ ‏

-‏ تلقي البلاغات والشكاوي وفحصها.‏ ‏

-‏ جمع الاستدلالات والمعلومات المتعلقة بالجرائم.‏ 

‏-‏ الانتقال الفوري إلى محل الحادث للمحافظة عليه وضبط كل ما يتعلق ‏بالجريمة وإجراء المعاينات اللازمة.‏ 

‏-‏ إبلاغ النيابة العامة بأمر الجريمة في الجرائم بعد علمه بها أو تبليغه عنها.‏ 

‏-‏ سماع أقوال من يكون لديه معلومات عن الوقائع ومرتكبيها.‏ 

‏-‏ سؤال المتهم.‏

 ‏-‏ الاستعانة بالخبراء.‏ 

‏-‏ ‏ إثبات أعماله في محاضر يوقع عليها مع الشهود الذين سمعهم والخبراء ‏الذين استعان بهم وإرسالها إلى النيابة العامة.‏

 إلا أن هذا التحديد ليس على سبيل الحصر، وإنما هو للمسائل الرئيسية التي ‏يجب على رجال (مأموري) الضبط الجنائي القيام بها، وبعض السلطات التي ‏يجوز له ممارستها، ويستفاد ذلك من نص المادة (92) إذ خولته اتخاذ جميع ‏الإجراءات التي يراها مناسبة للمحافظة على أدلة الجريمة وما يسهل لسلطة ‏التحقيق القيام بواجباتها.‏ أما المشرع المصري فقد حدد أعمال رجال (مأموري) الضبط الجنائي ‏الأصلية في المواد (21، 24، 29)(‏ ‏)، حيث نصت المادة (21) على: ((يقوم ‏مأمور الضبط القضائي بالبحث عن الجرائم ومرتكبيها وجمع الاستدلالات التي ‏تلزم للتحقيق في الدعوى)).‏ ونصت المادة (24) على: ((يجب على مأموري الضبط القضائي أن يقبلوا ‏التبليغات والشكاوى التي ترد اليهم بشأن الجرائم، وأن يبعثوا بها فورا إلى ‏النيابة العامة، ويجب عليهم وعلى مرؤوسيهم أن يحصلوا على جميع ‏الإيضاحات ويجروا المعاينات اللازمة لتسهيل تحقيق الوقائع التي تبلغ اليهم، أو ‏التي يعلمون بها بأية كيفية كانت، وعليهم أن يتخذوا جميع الوسائل التحفظية ‏اللازمة للمحافظة على أدلة الجريمة. ويجب أن تثبت جميع الإجراءات التي ‏يقوم بها مأمورو الضبط القضائي في محاضر موقع عليها منهم يبين بها وقت ‏اتخاذ الإجراءات ومكان حصوله ويجب أن تشمل تلك المحاضر زيادة على ما ‏تقدم توقيع الشهود والخبراء الذين سمعوا، وترسل المحاضر إلى النيابة العامة ‏مع الأوراق والأشياء المضبوطة)).‏ ونصت المادة (29) على: ((لمأموري الضبط القضائي أثناء جمع ‏الاستدلالات أن يسمعوا أقوال من يكون لديهم معلومات عن الوقائع الجنائية ‏ومرتكبيها وان يسألوا المتهم عن ذلك، ولهم أن يستعينوا بالأطباء وغيرهم من ‏أهل الخبرة ويطلبون رأيهم شفهيا أو بالكتابة. ولا يجوز لهم تحليف الشهود أو ‏الخبراء اليمين إلا اذا خيف ألا يستطاع فيما بعد سماع الشهادة بيمين)).‏ وبناءً على ذلك نجد أن المشرع المصري قد حدد الاختصاصات الوظيفية ‏الأصلية لرجال (مأموري) الضبط الجنائي وسلطاتها، ولكن ذلك التحديد ليس ‏على سبيل الحصر وإنما لبيان المسائل الواجب عليهم التقيد بها، والصلاحيات ‏الممنوحة لهم لممارسة أعمالهم.‏ وهي الإجراءات ذاتها التي بينها المشرع اليمني، مع تميز المشرع المصري ‏‏(‏ ‏) في بيان مسؤولية مرؤوسي رجال (مأموري) الضبط الجنائي إذ حدد مهامهم ‏إضافة إلى تحديده لشكل المحاضر، ونصه صراحة على إرسال المضبوطات ‏إلى النيابة العامة، وذلك على خلاف المشرع اليمني الذي لم يحد في قانون ‏الإجراءات الجزائية مهام مساعدي رجال (مأموري) الضبط الجنائي ولم شكلية ‏المحاضر بصورة كاملة، ((وهي المسائل التي يرى بعض الفقه أنها أوجه قصور ‏في التشريع اليمني يجب تلافيه من قبل المشرع في قانون الإجراءات ‏الجزائية))(‏ ‏).‏ وبناءً على ما سبق، فسوف نبين بإيجاز الاختصاصات الوظيفية الأصلية ‏لرجال (مأموري) الضبط الجنائي على النحو الآتي:‏

 ‏1-‏ ‏ تلقي البلاغات والشكاوي وفحصها:‏

 يعرف البلاغ بأنه: ((الإجراء الذي يقوم به شخص لإيصال نبأ الجريمة إلى ‏العدالة))(‏ ‏)، أو هو: ((إيصال نبأ الجريمة إلى السلطة المختصة))(‏ ‏).‏ وتعرفه المادة الثانية من قانون الإجراءات الجزائية اليمني بأنه: إخطار ‏الجهة المختصة بوقوع الحادث.‏ أما الشكوى فتعرف بأنها: ((البلاغ الذي يقدمه المجني عليه أو من يقوم مقامه ‏قانوناً إلى السلطة المختصة، طالباً تحريك الدعوى الجنائية في الجرائم التي ‏اشترط لها القانون تقديم الشكوى لكي تستعيد النيابة العامة حريتها في تحريك ‏الدعوى فيها))(‏ ‏). ‏ فالبلاغ والشكوى هما الوسيلتان المعتادة لإيصال خبر الجريمة إلى رجال ‏‏(مأموري) الضبط الجنائي، وبالتالي يجب عليهم قبولها عند تقديمها إليهم، ‏وتبرز هنا مسألة مهمة وهي من المخول له قانوناً تقديم البلاغات والشكاوي؟ يعتبر التبليغ بالجريمة من الواجبات التي فرضها القانون على فئة كبيرة من ‏المجتمع وهم الموظفين العامين، وأجاز تقديمه من أي شخص، ((وذلك لأن ‏الدعوى الجنائية هي وسيلة المجتمع في استيفاء حقه من عقاب الجاني، كما أن ‏ضرر الجريمة يمس المجتمع ككل، ولذلك فتقديمه للجهات المختصة ليس حق ‏مقصور على أحد وإنما هو واجب وحق لجميع أفراد المجتمع، وبالتالي يجب ‏على رجال (مأموري) الضبط الجنائي قبول البلاغات بالجرائم أياً كان ‏مصدرها وأياً كان شكلها، سواء كان شفهياً أم مكتوباً))(‏ ‏).‏ ‏((أما الشكوى فكما سبق تعريفها فحق تقديمها مقصور على المجني عليه أو ‏المضرور المدعي بالحق المدني الذي يطالب بالتعويض، ومن ينوبهما قانوناً، ‏فهي ادعاء بحق))(‏ ‏).‏ وبالتالي على رجال (مأموري) الضبط الجنائي عدم قبول الشكاوي إلا ممن ‏له الحق بتقديمها قانوناً، ولكن في هذه الحالة ينبغي عليه ألا يترك أمر الجريمة ‏إذا احتوتها الشكوى المقدمة ممن لا يملك حق تقديمها قانوناً، وعليه اعتبارها في ‏حكم البلاغ ومباشرة سلطاته الضبطية على ضوئها.‏ ‏((وبعد تلقي رجال (مأموري) الضبط الجنائي للبلاغات والشكاوي ينبغي ‏عليهم فحصها للتأكد من سلامتها وصحتها، وذلك باستيضاح الشاكي أو المبلغ ‏عن مضمون بلاغه وشكواه، أو بأي وسيلة أخرى مشروعة))(‏ ‏). ‏ ‏

 ‏2-‏ استقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها:‏ 

‏ يعد استقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها أو البحث عنها وعن مرتكبيها ‏الوظيفة الرئيسية لرجال (مأموري) الضبط الجنائي، ويذهب بعض الفقه إلى ‏‏((أن مصطلح استقصاء الجرائم وتعقب مرتكبيها المنصوص عليه في قانون ‏الإجراءات الجزائية اليمني، وهو ما عبر عنه قانون الإجراءات الجنائية ‏المصري بالبحث عن الجرائم ومرتكبيها، يقصد به التحري أو إجراء التحريات ‏عن الجرائم ومرتكبيها))(‏ ‏).‏ ويقصد بهذا الإجراء ((قيام رجل الضبط الجنائي بالبحث عن كافة المعلومات ‏التي تفيد في الوصول إلى حقيقة الوقائع أو الجرائم التي أبلغ بها بواسطة البلاغ ‏أو الشكوى، أو وصلت إلى علمه بوسيلة أخرى، وجعها، وذلك بالتثبت من ‏قوعها فعلاً، ومعرفة طبيعتها وملابساتها ومكان وزمان ارتكابها، والتعرف عن ‏مرتكبيها وكل من له علاقة بها والكشف عنهم وعن تحركاتهم ومكان تواجدهم، ‏وتتبعهم، وغير ذلك من الإجراءات التي تفيد في كشف الحقيقة وتسهيل عمل ‏القضاء))(‏ ‏).‏ ‏((فخبر الجريمة يحتمل الصدق أو الكذب، ولذلك يتعين على رجال ‏‏(مأموري) الضبط الجنائي التأكد منه، وأن يتبين الحق باتخاذ كافة الإجراءات ‏التي يراها مناسبة وفق الضوابط القانونية))(‏ ‏).‏ ‏ ((ويذهب البعض إلى أن استقصاء الجرائم أو البحث عنها لا يتوقف عند تلك ‏التي يتم إبلاغ رجال الضبط الجنائي بها، وإنما ينبغي عليهم البحث عن كافة ‏الجرائم المرتكبة بما فيها تلك التي لم يصل علمهم إليها، من خلال الاستعانة ‏بالمرشدين ومراقبة الأماكن المشبوهة وسالكي الإجرام، واتخاذ كافة الإجراءات ‏التي تؤدي إلى اكتشاف الجريمة))(‏ ‏).‏ ‏((والبحث عن الجرائم أو استقصائها وتعقب مرتكبيها له أهمية كبيرة في ‏حماية المجتمع وتحقيق العدالة، وذلك لما ينتج عنه من معلومات تسهل في ضبط ‏الجرائم والوصول إلى مرتكبيها، والتأكد من صحة البلاغات والشكاوي، وتوفير ‏المعلومات الكافية لسلطات التحقيق لاتخاذ إجراءاتها والتقرير في الوقائع، ‏وتعزيز الأدلة أمام القضاء))(‏ ‏).‏ ونظراً لهذه الأهمية، وما قد يترتب عليه من مساس بالحقوق والحريات، ‏يضع الفقه جملة من الضمانات الواجب توافرها لكي يكون إجراء الاستقصاء أو ‏التحري أو البحث عن الجرائم سليماً ومنتجاً لأثره، وتتمثل هذه الضمانات ‏بالآتي:(‏ ‏)‏ ‏‌أ-‏ أن يجريه رجل الضبط الجنائي انطلاقاً من واجبه الوظيفي، واستناداً ‏إليه، وليس استناداً إلى تأثير العلاقات الشخصية والضغينة.‏ ‏‌ب-‏ أن يتم مباشرته في إطار الاختصاص النوعي والمكاني.‏ ‏‌ج-‏ أن يستخدم الوسائل المشروعة في إجرائه.‏ ‏‌د-‏ أن تراعى فيه الدقة والجدية، وذلك ببذل الجهود الكافية وتوفير ‏المعلومات المتكاملة عن الواقعة ومرتكبيها.‏ 

‏3-‏ جمع الاستدلالات:‏

 ‏((يقع على رجال (مأموري) الضبط الجنائي بعد التأكد من صحة وقوع ‏الجريمة فعلاً، سواء بفحص البلاغات والشكاوي التي وردت إليهم أو بناءً على ‏إجراء الاستقصاء أو التحري الذي باشروه، أن يقوموا بجمع الاستدلالات ‏والمعلومات المتعلقة بها اللازمة للتحقيق في الدعوى الجنائية من قبل سلطة ‏التحقيق))(‏ ‏). ‏ ويقصد بجمع الاستدلالات: ((جمع كافة العناصر والقرائن والدلائل المادية ‏وغير المادية التي تفيد التحقيق في الدعوى، والتي يتم تحصيلها من مسرح ‏الجريمة ومن جميع الأشخاص المتصلين بالواقعة أو لديهم معلومات عنها وعن ‏مرتكبيها أو يمكن أن يقدموا تلك المعلومات))(‏ ‏).‏ ‏((وتتمثل الاستدلالات التي تفيد التحقيق في الدعوى واللازمة لتسهيله بتلك ‏الاستدلالات التي من خلالها يتم إثبات الجريمة وعناصرها، وتوضح ‏ملابساتها، وأسلوب ارتكابها والوسيلة المستخدمة فيها، وتكشف عن مرتكبيها ‏وتوصل إليهم، سواء تلك التي يتحصل عليها من الأشخاص كأقوال الشهود ومن ‏لهم معلومات والمتهم والمجني عليه، والمرشدين السريين، ومرؤوسي رجال ‏‏(مأموري) الضبط الجنائي، أو تلك التي يتحصل عليها من مسرح الجريمة ‏والجهات ذات العلاقة، والناتجة من إثبات حالة الأشخاص والأشياء والأماكن ‏في مسرح الجريمة قبل أن يصل إليها يد العبث، وتحديد الظروف المحيطة به، ‏وفحص الآثار المتخلفة من الجريمة بالاستعانة بالخبراء، ....إلخ))(‏ ‏).‏ وبناءً على ذلك فإن الاستدلالات الواجب على رجال (مأموري) الضبط ‏الجنائي جمعها لمساعدة سلطة التحقيق في الدعوى تنقسم إلى قسمين، هي:‏ ‏‌أ-‏ استدلالات معنوية:‏ ‏((تتمثل الاستدلالات المعنوية بالمعلومات التي يدلي بها أي شخص لرجال ‏‏(مأموري) الضبط الجنائي حول الواقعة الجنائية ومرتكبيها))(‏ ‏).‏ ‏((أي تلك التي يكون مصدرها أقوال الأشخاص، كأقوال الجاني أو المشتبه ‏به، أو تلك الأقوال التي يدلي بها شخص آخر كالمجني عليه أو الشهود، أو ‏المبلغين، أو المرشدين، أو غيرهم ممن لديه معلومات عن الجاني أو المجني ‏عليه أو الجريمة))(‏ ‏).‏ ‏ وبناءً على ذلك فإنه ينبغي على رجال (مأموري) الضبط الجنائي الحصول ‏على هذه الاستدلالات وإثباتها في محاضر يوقع عليها من أصحابها، وجمعها ‏وإرسالها مع الاستدلالات الأخرى إلى سلطة التحقيق.‏ ‏((ويتم الحصول على تلك الاستدلالات باستيضاح المبلغين أو الشاكين أولاً ‏عن مضمون البلاغ أو الشكوى، واستدعاء وسماع أقوال الشهود ومن لديه ‏معلومات عن الجريمة أو الجاني أو المشتبه به أو المتهم، واستيضاح المجني ‏عليه إن أمكن ذلك، وسؤال المتهم إن كان حاضراً حول التهمة والمعلومات التي ‏حصل عليها، دون أن يكون له مناقشته تفصيلاً فيها واستظهار ما بين إجاباته ‏من تناقض، ومجابهته بالأدلة المختلفة؛ أي استجوابه، كما لا يجوز له إجبارهم ‏وإكراههم على تقديم أقوالهم في تمنعهم وعليه إثبات ذلك في محاضره، كما لا ‏يجوز له تحليفهم اليمين إلا إذا خيف سماع أقوالهم مرة أخرى بيمين، كما لو ‏كان المحلَّف مشرفاً على الموت أو مقبل على سفر إلى غير عودة محققة))(‏ ‏). ‏ ‏‌ب-‏ استدلالات مادية:‏ ‏((تتمثل الاستدلالات المادية بحالة الأشياء والأشخاص في مسرح الجريمة، ‏والوسائل والآثار المادية المتخلفة عنها أو المستخدمة فيها، أو التي لها علاقة ‏بالأشخاص وتتواجد في مكان الجريمة، وهي عبارة عن آثار ناطقة بنفسها، ‏يمكن أن تستخلص سلطة التحقيق منها دليل مادي أو أن تكون أساساً لدليل ‏فني))(‏ ‏).‏ والاستدلالات المادية هي عبارة عن قرائن تفيد في التحقيق أو في جمع ‏الاستدلالات أيضاً، ومن الاستدلالات المادية الوسائل المستخدمة في الجريمة، ‏آثار الدماء والبصمات والسائل المنوي، وآثار الجلد والشعر والملابس... إلخ.‏ ‏((ويكون جمع الاستدلالات المادية من خلال المعاينة لمسرح الجريمة وإثبات ‏حالة الأشياء والأشخاص والأماكن المتواجدة فيه، والظروف البيئية المحيطة، ‏والمحافظة عليه، ورفع الآثار المادية الظاهرة المتواجدة فيه، والاستعانة ‏بالخبراء لرفع الآثار غير الواضحة التي يحتاج رفعها لمختصين وفحصها ‏وعمل تقرير عنها شفهياً أو كتابياً، وضبط تلك الأشياء وتحريز تلك الآثار، ‏وإثباتها في محاضر ترسل مع المضبوطات والتقارير للنيابة العامة))(‏ ‏).‏ ‏((ومن الجدير الإشارة إليه أن المشرعين اليمني والمصري أوجبا على رجال ‏‏(مأموري) الضبط الجنائي فور علمهم بالجريمة الانتقال إلى مكان وقوعها ‏وإجراء المعاينات اللازمة وإثبات حالات الأشياء والأشخاص والأماكن، ‏والمحافظة على المكان والأدلة والآثار المتواجدة فيه وضبط الأشياء التي تفيد ‏التحقيق، واتخاذ كافة الإجراءات التي تسهل التحقيق وتحافظ على الأدلة ‏ومسرح الجريمة، سواء كان ذلك بنفسه أو استعان بغيره من الخبراء))(‏ ‏).‏ فالمشرعين اليمني والمصري لم يحددا الإجراءات اللازمة للحصول وجمع ‏الاستدلالات المادية، وإنما تركا الأمر لسلطة رجل الضبط الجنائي التقديرية، ‏بحيث يتخذ ما يراه مناسباً من إجراءات ما دام أنها في إطار المشروعية، ولا ‏ينطوي على استخدامها مساساً بإرادة الأفراد وحرياتهم.‏

 ‏4-‏ التحفظ على الأشخاص:‏

 نصت المــادة (104) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني على: ((في غير ‏حالات الجرائم المشهودة يجوز لمأموري الضبط القضائي اتخاذ الإجراءات ‏التحفظية المناسبة طبقا للقواعد المقررة في هذا الشأن وان يطلبوا من النيابة ‏العامة أن تصدر أمر بالقبض على الشخص الذي توجد دلائل كافية على اتهامه ‏بارتكاب احدى الجرائم الآتية: -‏ أولاً: اذا كان متهما بإخفاء الأشياء المسروقة أو التي استعملت أو تحصلت ‏من جريمة .‏ ثانيا: اذا كان متهما في جريمة احتيال أو تعد شديد أو تحريض على الفسق ‏أو الفجور أو الدعارة أو حيازة أو تعاطي المخدرات)).‏ ويقابلها في قانون الإجراءات الجنائية المصري نص المادة (35) المعدلة ‏بالقانون رقم (37) لسنة 1972م، والتي تنص على: ((....وفى غير الأحوال ‏المبينة في المادة السابقة إذا وجدت دلائل كافية على اتهام شخص بارتكاب ‏جناية أو جنحة سرقة أو نصب أو تعد شديد أو مقاومة لرجال السلطة العامة ‏بالقوة والعنف، جاز لمأمور الضبط القضائي أن يتخذ الإجراءات التحفظية ‏المناسبة، وأن يطلب من النيابة العامة أن تصدر أمرا بالقبض عليه. وفى جميع ‏الأحوال تنفذ أوامر الضبط والإحضار والإجراءات التحفظية بواسطة أحد ‏المحضرين أو بواسطة رجال السلطة العامة)). ‏ ‏((وبناءً على النصوص السابقة نجد أن المشرعين اليمني والمصري منحا ‏لرجل الضبط الجنائي سلطة التحفظ على الأشخاص بمنعهم من حرية التنقل أو ‏منعهم من مغادرة المنزل حتى يتم استصدار أمر القبض من النيابة العامة، على ‏أن يكون ذلك التحفظ في حدود جرائم معينة متى توافرت دلائل كافية على ‏اتهامهم بارتكاب تلك الجرائم، ويكون التحفظ لمدة 24 ساعة فإذا لم تصدر ‏النيابة العامة أمر القبض يتم إخلاء سبيلهم))(‏ ‏).‏ ولم توضح نصوص التشريعين اليمني والمصري ماهية إجراء التحفظ على ‏الأشخاص بل جاءت عامة، ومما يجدر الإشارة إليه أن المذكرة الإيضاحية ‏للقانون رقم (37) لسنة 1972م بشأن تعديل المواد (34، 35) من قانون ‏الإجراءات الجنائية المصري أوردت بشأن هذا الإجراء ((أنه يعتبر بمثابة ‏إجراء وقائي حتى يطلب من النيابة العامة صدور أمرها بالقبض، وانه لا يعتبر ‏قبضاً بالمعنى القانوني وليس فيه مساس بحرية الفرد، وأنه يتمثل بطلب رجال ‏‏(مأموري) الضبط الجنائي من الأشخاص المكوث في أماكنهم لحظات أو فترة ‏قصيرة حتى تصدر النيابة أمر القبض، منعاً لهم من الهرب وحفاظاً على الأدلة ‏من العبث))(‏ ‏).‏ والدلائل الكافية يعرفها القانون اليمني بأنها: ((هي الأمور التي يدل ثبوتها ‏على توافر العناصر التي تكفي سنداً للقرار أو الحكم))(‏ ‏).

‏ ‏5-‏ تحرير محاضر الاستدلال وإرسالها مع المضبوطات إلى سلطة ‏التحقيق:‏

 أوجب المشرعان اليمني والمصري على رجل الضبط الجنائي إثبات جميع ‏إجراءاته في محاضر يوقع عليها مع الشهود والخبراء الذين استعان بهم ومن ‏سمع أقوالهم وإرسالها مع المحاضر والمضبوطات إلى النيابة العامة باعتبارها ‏السلطة المختصة بالتحقيق وتحريك الدعوى الجنائية وإقامتها.‏ ‏((ولم يحدد المشرع اليمني شكلية معينة لهذه المحاضر غير التوقيع عليها، ‏وذلك على خلاف المشرع المصري الذي نص على ضرورة أن يشتمل ‏المحضر على زمن اتخاذ الإجراء ومكانه إضافة إلى توقيع رجل الضبط ‏الجنائي ومن أستعان بهم وسمع أقوالهم))(‏ ‏).‏ ‏((ولما كانت مرحلة جمع الاستدلالات تنطوي على خطورة كبيرة على ‏الحقوق والحريات، فإجراءاتها تتسم بالسرية، وتختص سلطة الضبط الجنائي ‏بمباشرتها وهي أحد أجهزة السلطة التنفيذية، والتي هي في الغالب تكون من ‏رجال الشرطة الذين تفرض طبيعة عملهم الاحتكاك بالجمهور والتعرض لهم، ‏ويسيطر عليهم في الغالب هاجس ضرورة الكشف عن الحقيقة والوصول إليها ‏بأقصى سرعة وبأي وسيلة ممكنة، حتى لوكان بالتعرض لحقوق الأفراد ‏وحرياتهم، ففي ذلك يجدون التقدير وإظهار كفاءتهم في العمل، وهنا تكمن ‏الخطورة، ولذلك حرصت القوانين على وضع القيود والضوابط التي تنظم عمل ‏الضبطية الجنائية، لتجنب ذلك المساس))(‏ ‏).‏ ‏((وتتمثل أهم هذه الضوابط بعدم مباشرة رجال (مأموري) الضبط الجنائي ‏لوظيفة الضبطية الجنائية إلا بصدد وقوع جريمة جنائية يعاقب عليها التشريع، ‏وأن يحصلوا على المعلومات بطريقة مشروعة، وأن لا يتدخلوا في خلق ‏الجريمة عن طريق الغش والخداع والتحريض على ارتكابها))(‏ ‏).‏

ثانياً: الاختصاصات الوظيفية الاستثنائية لرجل الضبط الجنائي:‏

 علاوة على الاختصاصات الوظيفية الأصلية السابقة لرجل الضبط الجنائي، ‏فقد منحه المشرع اختصاصات وظيفية استثنائية تتمثل بممارسة بعض إجراءات ‏التحقيق في أحوال معينة، نظراً لما تقتضيه الضرورة من اتخاذ هذه الإجراءات ‏في سبيل الوصول إلى الحقيقة وتحقيق المصلحة العامة.‏ ‏((وتتمثل أهم هذه الاختصاصات باختصاصي القبض والتفتيش، إذ أن هذه ‏الاختصاصات من اختصاصات سلطتي التحقيق الابتدائي والحكم، نظراً لما ‏تتسم به من الجبر والإكراه ويترتب عليهما مساساً بالحقوق والحريات، ومنحت ‏التشريعات رجال (مأموري) الضبط الجنائي الاختصاص بممارستها في حالات ‏معينة، تستدعي الجريمة فيها السرعة واتخاذ هذه الإجراءات، ولأن احتمال ‏الخطأ من جانب رجال (مأموري) الضبط الجنائي بعيدة))(‏ ‏).‏ وبناءً على ذلك سوف نبين الاختصاصات الوظيفية الاستثنائية لرجال ‏‏(مأموري) الضبط الجنائي على النحو الآتي:‏ 

‏1-‏ القبض:‏

 يعرف القبض بأنه: ((سلب حرية الشخص لمدة قصيرة باحتجازه في المكان ‏الذي يعده القانون لذلك))(‏ ‏)، ويعرفه آخر بأنه ((أخذ المقبوض عليه إلى الآمر ‏به أو الجهات المختصة في الأحوال المقررة قانوناً، ويترتب عليه حرمان ‏المقبوض عليه من حريته))(‏ ‏).‏ وعرفته محكمة النقض المصرية بأنه: ((تقييد حرية الشخص والتعرض له ‏بإمساكه وحجزه ولو لفترة يسيرة، تمهيداً لاتخاذ بعض الإجراءات ضده))(‏ ‏).‏ وعرفته المادة (70) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني بأنه: ((القبض هو ‏ضبط الشخص وإحضاره المحكمة أو النيابة العامة أو مأموري الضبط القضائي ‏في الحالات المنصوص عليها قانونا ويكون بموجب امر صادر من الآمر ‏بالقبض ممن يملكه قانونا أو شفويا اذا كان الشخص الآمر حاضرا أمامه ‏ويترتب على ذلك حرمان المقبوض عليه من حريته حتى يتم التصرف في ‏أمره))، ولم يتعرض قانون الإجراءات الجنائية المصري لتعريف القبض واكتفى ‏ببيان أحكامه، تاركاً ذلك للفقه.‏ وبناءً على ذلك فإن القبض على الأشخاص هو قيد يقع على حرية الشخص ‏في التنقل أو المكوث حيث يشاء، ويكون بإمساكه من جسمه، أو وضعه في ‏الحجز، تمهيداً لاتخاذ بعض الإجراءات ضده.‏ ‏((وحرية الأشخاص في التنقل والبقاء حيثما يريدون من الحقوق التي كفلتها ‏لهم الشرائع السماوية والتشريعات الوضعية، ولا يجوز لأحد سلبه هذا الحق أو ‏تقييده إلا بمسوغ شرعي أو قانوني))(‏ ‏).‏ ولذلك جعله التشريعان اليمني والمصري من اختصاصات سلطة التحقيق ‏والحكم، فنصت المادة (172) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني على: ((مع ‏عدم الإخلال بالأحكام الواردة في الباب الثاني من الكتاب الثاني من هذا القانون ‏لا يجوز القبض على أي شخص أو استبقائه إلا بأمر من النيابة العامة أو ‏المحكمة وبناء على مسوغ قانوني))، ويقابلها نص المادة (40) من قانون ‏الإجراءات الجنائية المصري المعدلة بالقانون رقم (37) لسنة 1972م والتي ‏تنص على: ((لا يجوز القبض على أي إنسان أو حبسه إلا بأمر من السلطات ‏المختصة بذلك قانوناً، كما تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان ولا ‏يجوز إيذاؤه بدنياً أو معنوياً)).‏ فالسلطة المختصة بالقبض في التشريعين اليمني والمصري هي سلطة ‏التحقيق والحكم، وقد أحسن المشرع اليمني في النص على ذلك صراحة في ‏المادة السابقة، وذلك على خلاف المشرع المصري حيث يستفاد أن سلطتي ‏التحقيق والحكم هي السلطة المختصة بالقبض إذ لم يشر إلى ذلك صراحة.‏ وخروجاً عن القاعدة السابقة فقد جعل المشرعان اليمني والمصري القبض ‏اختصاصاً استثنائياً لرجل الضبط الجنائي في حالات معينة محددة على سبيل ‏الحصر، وتتمثل هذه الحالات بالآتي:‏ 

أ‌-‏ الجريمة المشهودة أو التلبس:‏ 

يعرف التلبس بأنه: ((التعاصر بين لحظة ارتكاب الجريمة ولحظة اكتشافها؛ ‏أي المشاهدة الفعلية للجريمة، أو التقارب الزمني بين اللحظتين))(‏ ‏). ‏ ‏((ومن خلال التعريف السابق نجد أن التلبس بالجريمة أو الجريمة المشهودة ‏ينصرف إلى اكتشاف الجريمة ذاتها وقت ارتكابها وهذا ما عبر عنه التعريف ‏بالتعاصر، أو بعد ارتكابها بوقت يسير وهو ما عبر عنه بالتقارب))(‏ ‏)، ‏‏((ويكون هذا الاكتشاف أو المشاهدة أو الإدراك للجريمة من قبل رجل الضبط ‏الجنائي ذاته، فلا يكتفي بالرواية أو النقل لقيام حالة التلبس))(‏ ‏). ‏ ‏((والتلبس أو الجريمة المشهودة وصف ينصب على الجريمة ذاتها؛ أي الركن ‏المادي لها، لا على مرتكبها، فيمكن أن يشاهد رجل الضبط الجنائي الجريمة ‏دون أن يشاهد فاعلها، سواء تم إدراكه لتلك الجريمة بالمشاهدة أو السمع أو بأي ‏حاسة من حواسه، وسواء كان ذلك وقت ارتكابها في أي مرحلة من مراحله، أو ‏بعد ارتكابها بوقت يسير))(‏ ‏).‏ ولم يتعرض المشرعان اليمني والمصري لبيان مفهوم الجريمة المشهودة أو ‏التلبس وإنما اقتصرا على بيان حالاتها وصورها، حيث نصت المــادة(98) من ‏قانون الإجراءات الجزائية اليمني على: ((تكون الجريمة مشهودة في حالة ‏ارتكابها أو عقب ارتكابها ببرهة يسيرة وتعتبر كذلك إذا تبع المجني عليه ‏مرتكبها أو تبعته العامة بالصياح إثر وقوعها أو إذا وجد مرتكبها بعد وقوعها ‏بوقت قريب حاملا آلات أو أسلحة أو أمتعه أو أشياء أخرى يستدل منها على انه ‏فاعلها أو شريك فيها أو إذا وجدت به في الوقت المذكور أثر أو علامات تدل ‏على ذلك))، ويقابلها نص المادة (30) من قانون الإجراءات الجنائية المصري، ‏وهو النص ذاته في القانون اليمني مع اختلاف يسير في بعض الكلمات(‏ ‏). ‏ ومتى توافرت الجريمة وفقاً للوصف السابق في إحدى هذه الحالات كان ‏لرجل الضبط الجنائي الاختصاص في القبض على كل مرتكبيها وكل من له ‏علاقة بها، وهذا ما نصت عليه المــادة (103) من قانون الإجراءات الجزائية ‏اليمني: ((يجب على مأموري الضبط القضائي القبض على الأشخاص في ‏الأحوال الآتية: .... رابعًا: في الحالات المنصوص عليها في المادة (98))، ‏وتنظم المادة (98) منه حالات الجريمة المشهودة، كما أشرنا إليها سابقاً، ولكن ‏ذلك ليس على إطلاقه، بل محصور في الجرائم المعاقب عليها بالحبس لمدة ‏تزيد على ستة أشهر، حيث نصت المادة (101) من القانون ذاته على: ((في ‏الجرائم المشهودة المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ستة اشهر يحق لمأمور ‏الضبط القضائي القبض على كل شخص يستدل بالقرائن على انه الفاعل ‏للجريمة أو له علاقة بها إن كان حاضراً وأن يأمر بإحضاره إن كان غائبا)).‏ ويقابلها نصوص المواد (34،35) من قانون الإجراءات الجنائية ‏المصري(‏ ‏)، حيث تنص المادة (34) منه على: لمأمور الضبط القضائي في ‏أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح التي يعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ‏ثلاثة أشهر، أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على ‏اتهامه، وتنص المادة (35) على: إذا لم يكن المتهم حاضراً في الأحوال المبينة ‏في المادة السابقة جاز لمأمور الضبط القضائي أن يصدر أمر بضبطه ‏وإحضاره ويذكر ذلك في المحضر...‏ 

ب‌-‏ حالات أخرى نص عليها القانون:‏

 تضمنت المادة (103) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني الحالات التي ‏يجب على رجل الضبط الجنائي مباشرة القبض فيها على الأشخاص، وهذه ‏الحالات منها ما يكون مأموراً بإجراء القبض وليس له الحق في إجرائه مالم ‏يكن هناك أمر به، ومنها ما يكون فيها من اختصاص رجل الضبط الجنائي ‏بموجب هذه المادة بصورة استثنائية، ومن تلك الحالات حالة الجريمة المشهودة ‏التي بيناها سابقاً، وهناك حالات أخرى تتمثل بالآتي:‏ ‏‌أ-‏ إذا كان مرتكبا لجريمة جسيمة وقامت على ارتكابه لها دلائل قوية وخيف ‏هربه.‏ ‏‌ب-‏ إذا كان مرتكباً لجريمة غير جسيمة معاقب عليها بالحبس وقامت على ‏ارتكابه لها دلائل قويه ومعلومات موثوقة وتوفرت في حقه احد ى ‏الحالات الآتية: 1- إذا لم يكن له محل إقامة معروف بالبلاد. 2- إذا قامت ‏قرائن قوية على انه يحاول إخفاء نفسه أو الهرب. 3- إذا رفض بيان ‏اسمه وشخصيته أو كذب في ذلك أو قدم بيانا غير مقنع أو رفض التوجه ‏إلى مركز الشرطة بدون مبرر.‏ ‏‌ج-‏ إذا كان في حالة سكرٍ بين.‏ ‏‌د-‏ اذا اشتبه لأسباب جدية انه هارب من إلقاء القبض عليه.‏ ويكون تقدير قوة الدلائل وكفايتها سواء في حالة التلبس أو في الأحوال ‏الأخرى أمر موكول لرجال الضبط الجنائي تحت رقابة سلطة التحقيق ‏والمحاكمة(‏ ‏). ‏ وفي كل الأحوال ينبغي على رجال (مأموري) الضبط الجنائي أن يتقيدوا ‏بهذه الاختصاصات وضوابطها المحددة قانوناً.‏

 ‏2-‏ التفتيش القضائي وضبط الأشياء:

‏ يعرف التفتيش القضائي بأنه: ((الاطلاع على محل منحه القانون حرمة ‏خاصة لضبط ما عسى قد يوجد فيه مما يفيد في كشف الحقيقة عن جريمة ‏معينة، وقد يكون محل التفتيش ذات الشخص أو مسكنه أو مكان آخر أضفى ‏عليه القانون حمايته))(‏ ‏).‏ والتفتيش من أخطر الإجراءات الماسة بحقوق الأفراد في سرية المعلومات ‏والمقتنيات، وحرمة المنازل والمساكن ومستودعات الأسرار عموماً، ولذلك ‏جعلته التشريعات من اختصاصات النيابة العامة والمحكمة، فقد نصت المــادة ‏‏(132) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني على: ((لا يجوز تفتيش ‏الأشخاص أو دخول المساكن أو الاطلاع على المراسلات البريدية أو تسجيل ‏المحادثات السلكية أو اللاسلكية أو الشخصية، وكذا ضبط الأشياء إلا بأمر من ‏النيابة العامة أثناء التحقيق ومن القاضي أثناء المحاكمة)).‏ كما نصت المادة (91) من قانون الإجراءات الجنائية المصري على: ‏‏((تفتيش المنازل عمل من أعمال التحقيق ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بمقتضى ‏أمر من قاضي التحقيق بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المنزل المراد ‏تفتيشه بارتكاب جناية أو جنحة أو باشتراكه في ارتكابها أو إذا وجدت قرائن ‏تدل على أنه حائز لأشياء تعلق بالجريمة. ولقاضي التحقيق أن يفتش أي مكان ‏ويضبط فيه الأوراق والأسلحة وكل ما يحتمل أنه استعمل في ارتكاب الجريمة ‏أو نتج عنها أو وقعت عليه وكل ما يفيد في كشف الحقيقة)).‏ وبناءً على ما سبق نجد أن التفتيش من اختصاصات سلطات التحقيق، إلا أنه ‏وخروجاً على تلك القاعدة منح رجال (مأموري) الضبط الجنائي هذا ‏الاختصاص في حالات معينة بصورة استثنائية ووفق ضوابط محددة، وتتمثل ‏هذه الحالات بالآتي:‏ أ‌-‏ الجريمة المشهودة أو التلبس:‏ نصت المــادة (102) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني على: ((لمأمور ‏الضبط القضائي في الحالات المنصوص عليها في المادة السابقة أن يفتش المتهم ‏ومنزله ويضبط الأشياء والأوراق التي تفيد في كشف الحقيقة متى وجدت ‏أمارات قوية تدل على وجودها فيه))، وتتمثل الحالات المنصوص عليها في ‏المادة السابقة بالجرائم المشهودة المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ستة ‏أشهر(‏ ‏)، ومعنى ذلك أنه لا يكون لرجل الضبط الجنائي القيام بالتفتيش ‏القضائي في جميع الجرائم المشهودة بل يقتصر على جرائم محددة فقط.‏ كما نصت المادة (46) من قانون الإجراءات الجنائية المصري على: ((في ‏الأحوال التي يجوز فيها القبض قانوناً على المتهم يجوز لمأمور الضبط ‏القضائي أن يفتشه. وإذا كان المتهم أنثى وجب أن يكون التفتيش بمعرفة أنثى ‏يندبها لذلك مأمور الضبط القضائي)). ونصت المادة (47) منه أيضاً على: ‏‏((لمأمور الضبط القضائي في حالة التلبس بجناية أو جنحة أن يفتش منزل ‏المتهم، ويضبط فيه الأشياء والأوراق التي تفيد في كشف الحقيقة إذا أتضح له ‏من أمارات قوية أنها موجودة فيه))(‏ ‏).‏ على أن يقتصر التفتيش للبحث عن الأدلة المتعلقة بالجريمة التي يتم التحقيق ‏فيها فقط دون أن يمتد إلى غيرها(‏ ‏).‏ ب‌-‏ التفتيش عند تنفيذ أمر القبض:‏ أجازت المــادة (80) من قانون الإجراءات الجزائية اليمني لرجال الضبط ‏الجنائي تفتيش المنازل واقتحامها للبحث عن المطلوب القبض عليه، سواء كانت ‏تلك المنازل تابعة له أو الغير، حيث نصت على: ((لمن يقوم بتنفيذ أمر القبض ‏أن يدخل مسكن المطلوب القبض عليه للبحث عنه وله أن يدخل مسكن غيره إذا ‏وجدت قرائن قوية تدل على أن المتهم قد اختبأ فيه وعلى صاحب المسكن أو من ‏يوجد به أن يسمح بالدخول وأن يقدم التسهيلات المعقولة لإجراء البحث عن ‏المطلوب القبض عليه وإذا رفض أو قاوم كان لمن يقوم بتنفيذ القبض اقتحام ‏المسكن عنوة واستخدام القوه في الحدود المبينة في المادة السابقة)).‏ ولم نجد نصاً مشابها لهذا النص في قانون الإجراءات الجنائية المصري.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق